responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 190


ويدل على ما وصفنا من أن المراد أخذ الدية برضى القاتل ، أن الأوزاعي قد روى حديث أبي هريرة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عنه ، عن النبي عليه السلام ، وقال فيه : ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفادى ) والمفاداة إنما تكون بين اثنين كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة ونحو ذلك ، فدل على أن مراده في سائر الأخبار أخذ الدية برضى القاتل . وهذه الأخبار تبطل قول من يقول : ( إن الواجب على القاتل هو القود وللولي نقله إلى الدية ) لأن في جميعها إثبات التخيير للولي بنفس القتل بين القود وأخذ الدية ، ولو كان الواجب هو القود لا غير وإنما للولي نقله إلى الدية بعد ثبوته كما ينقل الدين إلى العرض والعرض إلى الدين على وجه العوض عنه ، وليس هناك خيار موجب بنفس القتل بل الواجب شئ واحد وهو القود والقائل بإيجاب القود بالقتل دون غيره إلا أن ينقله الولي إلى الدية ، مخالف لهذه الآثار .
وقد روى الأنصاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك في قصة الربيع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كتاب الله القصاص ) وذلك ينفي كون المراد بالكتاب المال أو القصاص .
وقد روى علقمة بن وائل عن أبيه وثابت البناني عن أنس أن رجلا قتل رجلا فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ولي المقتول ثم قال : ( أتعفو ؟ ) قال : لا . قال : ( أفتأخذ الدية ؟ ) قال :
لا . قال : ( أما إنك إن قتلته كنت مثله ) فمضى الرجل فلحقه الناس فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أما إنك إن قتلته كنت مثله ) فعفا عنه . فاحتج الموجبون للخيار بين القود والمال بهذا الحديث ، وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا ، وذلك لأنه يحتمل أن يأخذ الدية برضى القاتل كما قال عليه السلام لامرأة ثابت بن قيس حين جاءت تشكوه : ( أتردين عليه حديقته ؟ ) قالت : نعم . ومعلوم أن رضى ثابت قد كان مشروطا فيه وإن لم يكن مذكورا في الخبر ، لأن النبي عليه السلام لم يكن يلزم ثابتا الطلاق ولا يملكه الحديقة إلا برضاه .
وجائز أن النبي عليه السلام قصد إلى أن يعقد عقدا على مال فيكون موقوفا على رضى القاتل أو فسخه ، وجائز أن يكون أراد أن يؤدي الدية من عنده كما فعل في قتيل الخزاعي بمكة وكما تحمل عن اليهود دية عبد الله بن سهل الذي وجد قتيلا بخيبر . وقوله عليه السلام : ( إن قتلته كنت مثله ) يحتمل معنيين ، أحدهما : إنك قاتل كما أنه قاتل ، لا إنك مثله في المأثم ، لأنه استوفى حقا له فلا يستحق اللوم عليه ، والأول فعل ما لم يكن له فكان آثما ، فعلمنا أنه لم يرد ( كنت مثله في المأثم ) . والآخر : إنك إذا قتلته فقد استوفيت حقك منه ولا فضل لك عليه ، وقد ندب الله تعالى إلى الإفضال بالعفو بقوله تعالى :
( فمن تصدق به فهو كفارة له ) [ المائدة : 45 ] .
فإن قال قائل : لما كان عليه إحياء نفسه وجب أن يحكم عليه بذلك إذا اختار الولي

190

نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 190
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست