responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 155


سفره في معصية بل كان سفره لحج أو غزو أو تجارة وكان مع ذلك باغيا على رجل في أخذ ماله أو عاديا في ترك صلاة أو زكاة ، لم يكن ما هو عليه من البغي والعدوان مانعا من استباحة الميتة للضرورة فثبت بذلك أن قوله : ( غير باغ ولا عاد ) لم يرد به انتفاء البغي والعدوان في سائر الوجوه ، وليس في الآية ذكر شئ منه مخصوص فيوجب ذلك كون اللفظ مجملا مفتقرا إلى البيان ، فلا يجوز تخصيص الآية الأولى به لتعذر استعماله على حقيقته وظاهره . ومتى حملنا ذلك على البغي والتعدي في الأكل استعملنا اللفظ على عمومه وحقيقته فيما أريد به وورد فيه ، فكان حمله على ذلك أولى من وجهين ، أحدهما : أنه يكون مستعملا على عمومه ، والآخر : أنا لا نوجب به تخصيص قوله : ( إلا ما اضطررتم إليه ) [ المائدة : 3 ] وكذلك : ( غير متجانف لإثم ) [ المائدة : 3 ] لا يخلو من أن يريد به مجانبة سائر الآثام حتى يكون شرط ا لإباحة للمضطر أن يكون غير متجانف لإثم أصلا في الأكل وغيره ، حتى إن كان مقيما على ترك رد مظلمة درهم أو ترك صلاة أو صوم لم يتب منه لا يحل له الأكل ، أو أن يكون جائز له الأكل مع كونه مقيما على ضرب من المعاصي بعد أن لا يكون سفره في معصية ولا خارجا على إمام . وقد ثبت عند الجميع أن إقامته على بعض المعاصي لا تمنع استباحته للميتة عند الضرورة ، فثبت أن ذلك ليس بمراد . ثم بعد ذلك يحتاج في إثبات المأثم الذي يمنع الاستباحة إلى دلالة من غير الآية ، وهذا يوجب إجمال اللفظ وافتقاره إلى البيان ، فيؤدي ذلك إلى وقوف حكم الآية على بيان من غيرها ، ومتى أمكننا استعمال حكم الآية وجب علينا استعمالها ، وجهة إمكان استعمالها ما وصفنا من إثبات المراد بغيا وتعديا في الأكل بأن لا يتناول منها إلا بمقدار ما يمسك الرمق ويزيل خوف التلف . وأيضا قال الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ] ومن امتنع من المباح حتى مات كان قاتلا نفسه متلفا لها عند جميع أهل العلم ، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع ، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانه ، فوجب أن يكون حكمه وحكم المطيع سواء في استباحة الأكل عند الضرورة ، ألا ترى أنه لو امتنع من أكل المباح من الطعام معه حتى مات كان عاصيا لله تعالى ؟ وإن كان باغيا على الإمام خارجا في سفر معصية ، والميتة عند الضرورة بمنزلة المذكى في حال الإمكان والسعة .
فإن قيل : قد يمكنه الوصول إلى استباحة أكل الميتة بالتوبة ، فإذا لم يتب فهو الجاني على نفسه . قيل له : أجل ، هو كما قلت ، إلا أنه غير مباح له الجناية على نفسه بترك الأكل وإن لم يتب ، لأن ترك التوبة لا يبيح له قتل نفسه ، وهذا العاصي متى ترك الأكل في حال الضرورة حتى مات كان مرتكبا لضربين من المعصية ، أحدهما : خروجه

155

نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 155
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست