نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 141
والغلط ، والثاني : جهة تلقي الفقهاء إياها بالقبول واستعمالهم لها . فثبت بذلك أنها مستعملة مع آية تحريم الميتة وأن المراد بالآية تحريمها قبل الدباغ ، وما قدمنا من دلالة قوله : ( على طاعم يطعمه ) [ الأنعام : 145 ] أن المراد بالآية فيما يتأتى فيه الأكل ، والجلد بعد الدباغ خارج عن حد الأكل ، فلم يتناوله التحريم . ومع ذلك فإن هذه الأخبار لا محالة بعد تحريم الميتة ، لولا ذلك لما رموا بالشاة الميتة ولما قالوا إنها ميتة ، ولم يكن النبي عليه السلام ليقول : ( إنما حرم أكلها ) فدل ذلك على أن تحريم الميتة مقدم على هذه الأخبار ، وأن هذه الأخبار مبينة أن الجلد بعد الدباغ غير مراد بالآية . ولما وافقنا مالك على جواز الانتفاع به بعد الدباغ فقد استعمل الأخبار الواردة في طهارتها ، ولا فرق في شئ منها بين افتراشها والصلاة عليها وبين أن تباع أو يصلى عليها ، بل في سائر الأخبار أن دباغها ذكاتها ودباغها طهورها . وإذا كانت مذكاة لم يختلف حكم الصلاة عليها وبيعها وحكم افتراشها والجلوس عليها كسائر جلود الحيوان المذكاة ، ألا ترى أنها قبل الدباغ باقية على حكم التحريم في امتناع جواز الانتفاع بها من سائر الوجوه كالانتفاع بلحومها ؟ فلما اتفقنا على خروجها عن حكم الميتة بعد الدباغ فيما وصفنا ثبت أنها مذكاة طاهرة بمنزلة ذكاة الأصل . ويدل على ذلك أيضا أن التحريم متعلق بكونها مأكولة ، وإذا خرج عن حد الأكل صار بمنزلة الثوب والخشب ونحو ذلك . ويدل على ذلك أيضا موافقة مالك إيانا على جواز الانتفاع بشعر الميتة وصوفها لامتناع أكله ، وذلك موجود في الجلد بعد الدباغ فوجب أن يكون حكمه حكمها . فإن قيل : إنما جاز ذلك في الشعر والصوف لأنه يؤخذ منه في حال الحياة ! قيل له : ليس يمتنع أن يكون ما ذكرنا علة الإباحة ، وكذلك ما ذكرت ، فيكون للإباحة علتان ، إحداهما : أنه لا يتأتى فيه الأكل ، والأخرى : أنه يؤخذ منه في حال الحياة فيجوز الانتفاع به لأن موجبهما حكم واحد . ومتى عللناه بما وصفناه وجب قياس الجلد عليه ، وإذا عللته بما وصفت كان مقصور الحكم على المعلول . وقد روى الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال : قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) فاحتج بذلك من حظر جلد الميتة بعد الدباغ . وغير جائز معارضة الأخبار الواردة في الإباحة بهذا الخبر من وجوه ، أحدها : أن الأخبار التي قدمناها في حيز التواتر الموجب للعلم ، وحديث عبد الله بن عكيم ورد من طريق الآحاد ، وقد روى عاصم بن علي عن قيس بن الربيع عن
141
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 141