responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 30


( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى : 40 ] والثانية ليست بسيئة بل حسنة ، ولكنه لما قابل بها السيئة أجرى عليها اسمها . وقوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) [ البقرة : 194 ] والثاني ليس باعتداء . وقوله تعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) [ النحل : 126 ] والأول ليس بعقاب وإنما هو على مقابلة اللفظ بمثله ومزاوجته له ، وتقول العرب : الجزاء بالجزاء ، والأول ليس بجزاء ، ومنه قول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا * ومعلوم أنه لم يمتدح بالجهل ، ولكنه جرى على عادتهم في ازدواج الكلام ومقابلته . وقيل : إن ذلك أطلقه الله تعالى على التشبيه ، وهو أنه لما كان وبال الاستهزاء راجعا عليهم ولاحقا لهم كان كأنه استهزأ بهم . وقيل : لما كانوا قد أمهلوا في الدنيا ولم يعاجلوا بالعقوبة والقتل كسائر المشركين وأخر عقابهم فاغتروا بالإمهال كانوا كالمستهزئ بهم .
مطلب في أن عقوبات الدنيا غير موضوعة على مقادير الأجرام ، وإنما هي على ما يعلمه الله تعالى من المصالح فيها ولما كانت أجرام المنافقين أعظم من أجرام سائر الكفار المبادين بالكفر ، لأنهم جمعوا الاستهزاء والمخادعة بقوله : ( يخادعون الله ) وقولهم : ( إنما نحن مستهزءون ) وذلك زيادة في الكفر ، وكذلك أخبر الله تعالى أنهم ( في الدرك الأسفل من النار ) ، ومع ما أخبر بذلك من عقابهم وما يستحقونه في الآخرة ، خالف بين أحكامهم في الدنيا وأحكام سائر المظهرين للشرك في رفع القتل عنهم بإظهارهم الإيمان وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث وغيره ، ثبت أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الأجرام ، وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح فيها . وعلى هذا أجرى الله تعالى أحكامه فأوجب رجم الزاني المحصن ولم يزل عنه الرجم بالتوبة . ألا ترى إلى قوله عليه السلام في ماعز بعد رجمه وفي الغامدية بعد رجمها : ( لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) . والكفر أعظم من الزنا ، ولو كفر رجل ثم تاب قبلت توبته . وقال تعالى ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) [ الأنفال : 38 ] وحكم في القاذف بالزنا بجلد ثمانين ولم يوجب على القاذف بالكفر الحد ، وهو أعظم من الزنا ، وأوجب على شارب الخمر الحد ، ولم يوجب على شارب الدم وآكل الميتة . فثبت بذلك أن عقوبات الدنيا غير موضوعة على مقادير الأجرام . ولأنه لما كان جائزا في العقل أن لا يوجب في الزنا والقذف والسرقة حدا رأسا ويكل أمرهم إلى عقوبات الآخرة ، جاز أن يخالف بينها فيوجب في بعضها أغلظ ما يوجب في بعض . ولذلك قال أصحابنا : لا

30

نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 30
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست