ذهب بعض المتأخرين من المؤرخين العرب - منهم محمد عزة دروزة في كتابه : القرآن المجيد - إلى أن هناك في المدن الحجازية فئة من المتعلمين بنسبة لا يمكن تجاهلها . وكل ما سجله هؤلاء في كتبهم لتأييد رأيهم هو : - أن البيئة الحجازية - ولا سيما مكة والمدينة - كانت بيئة تجارية - ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة قريش ، فكانت - بحكم عملها وطبيعتها - على اتصال وثيق ومستمر مع البلاد المجاورة من الشام واليمن والعراق والتي كانت على جانب لا بأس به من العلم والثقافة . وكانت البيئة الحجازية تضم فئات كتابية : يهودية ومسيحية أصيلة ونازحة من البلاد المجاورة ، والتي كانت تتداول ما بينها الكتب الدينية وغيرها قراءة وكتابة . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فقد ورد في القرآن العزيز أطول آية في سورة البقرة تطلب من الناس تسجيل كافة المعاملات والتصرفات وكتابتها نقدا أو دينا صغيرة أو كبيرة [1] فكيف تطلب هذه الآيات من الناس تحقيق كل ذلك دون وجود قسم من المتعلمين في صفوفهم يكتبون ويدونون عن أنفسهم أو الآخرين . هذا بالإضافة إلى أن كتبة الوحي بين يدي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بلغ عددهم أكثر من أربعين رجلا ، وأن كثيرا منهم كانوا مكيين ، وهم الذين كتبوا القسم المكي من القرآن قبل هجرته ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، فهذا دليل على وجود المتعلمين في مكة وإن كانوا قليلين ، سواء ممن كتب الوحي من هؤلاء ومن لم يسلم بعد .