فشت في الدولة الإسلامية دعايات سياسية وغير سياسية كان اختلاق الروايات والأحاديث من وسائلها للغلبة على خصومها ، فكيف بما كتب متأخرا في أشد أزمان الاضطرابات والقلاقل ؟ وكيف بما ورد في المتأخر من كتب السيرة ؟ فهل يمكن الأخذ به بدون تمحيص بدقة علمية ؟ وقد أدت المنازعات السياسية وغيرها التي حدثت بعد الصدر الأول من الإسلام ، إلى اختلاق كثير من الروايات والأحاديث تأييدا لها ، هذا والحديث لم يدون إلى أواخر عصر الأمويين . ذلك لأن عمر عزم على ذلك فأصبح يوما يقول : إني كنت أردت أن أكتب السنن ، ثم عدلت عن كتابتها ، فإني - والله - لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا ! ثم كتب إلى الأمصار بذلك يقول : من كان عنده شئ غير القرآن فليمحه ! وظل الأمر كذلك - ما عدا عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسن ( عليهما السلام ) - حتى أمر عمر بن عبد العزيز بجمع الحديث [1] . أما كيف روى مثل البخاري مثل قصة الغرانيق - مثلا - ؟ فقد اعتذر عن مثل ذلك النووي في شرحه لصحيح مسلم قال : " أخذ جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشرطيهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه " وقد التزما بمقياس السند والثقة بالرواية في قبول الحديث ورفضه ، ولكنه وحده غير كاف لذلك . بل إن خير مقياس يقاس به الحديث والخبر عن النبي ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " إنكم ستختلفون من بعدي ، فما جاءكم عني