وكان عندهم الشهر الحرام الذي لا تسفك فيه الدماء ، فسمي الفجار لأنهم فجروا في شهر حرام . أما بنو هاشم من قريش ، فقد روي : أن أبا طالب قال : هذا ظلم وعدوان وقطيعة واستحلال للشهر الحرام ، فلا أحضره ولا أحد من أهلي ! فقال حرب بن أمية وعبد الله بن جدعان التيمي : لا نحضر أمرا تغيب عنه بنو هاشم ، فاخرج الزبير بن عبد المطلب مستكرها على رأس قبيل من بني هاشم . وقالوا لأبي طالب : يا بن مطعم الطير وساقي الحجيج ! لا تغب عنا ، فإنا نرى مع حضورك الظفر والغلبة . قال : فاجتنبوا الظلم والعدوان ، والقطيعة والبهتان فإني لا أغيب عنكم . فقالوا : ذلك لك . فلم يزل يحضر حتى فتح عليهم . فقيل : ان أبا طالب كان يحضر ومعه رسول الله ، فإذا حضر هزمت كنانة قيسا ، فعرفوا البركة بحضوره . وروي عن رسول الله انه قال : شهدت الفجار مع عمي أبي طالب ، وأنا غلام . وروى بعضهم : ا نه شهد الفجار وهو ابن عشرين سنة ، وطعن أبا براء ملاعب الأسنة فأرداه عن فرسه ، وجاء الفتح من قبله [1] .
[1] اليعقوبي 2 : 115 - 116 وقال قبل هذا : شهد رسول الله الفجار وله سبع عشرة سنة . وقال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء : انه لما بلغ رسول الله أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ، هاجت حرب الفجار بين قريش وكنانة وبين قيس عيلان . وشهد رسول الله بعض أيامهم ، أخرجه أعمامه معهم . وقال رسول الله " كنت انبل مع أعمامي " أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها . وقال ابن إسحاق : هاجت حرب الفجار ورسول الله ابن عشرين سنة . وانما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان : كنانة وقيس عيلان من المحارم بينهم فيه ( سيرة ابن هشام 1 : 195 - 198 ) . ولهذا قال في ( السيرة الحلبية 1 : 128 ) : ان سبب الفجار كان في رجب الحرام اما الحرب فكان في شعبان . وبهذا برر مشاركة أبي طالب ومعه رسول الله في الحرب . ولكن السيد المرتضى رأى أن هذا التوجيه لا يعتمد على أي سند تأريخي ، فلم يجد مجالا للتعويل عليه ، وشك في صحة القصة . ( الصحيح 1 : 95 ) . ولا يخفى ان ابن إسحاق والطبري لم يرويا مشاركة النبي ولا حضوره في الحرب ، وانما روى ابن هشام حضوره مع أعمامه ومساعدته لهم في الحرب وهو ابن خمس عشرة سنة . وروى اليعقوبي حضوره فقط وله سبع عشرة سنة ، ، ثم روى عن غيره حضوره ومشاركته في الحرب وهو ابن عشرين سنة ( اليعقوبي 2 : 15 ) . وقال المسعودي : كان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل ، وكان بين عام الفيل وعام الفجار عشرون سنة ( 2 : 268 ) وقال : وقد قدمنا في كتابنا الأوسط أخبار الأحلاف والفجارات الأربعة : فجار الرجل - أو فجار بدر بن معشر - وفجار القرد ، وفجار المرأة ، والفجار الرابع هو فجار البراض الذي كان فيه القتال وكان النبي - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - قد حضر وشاهد الفجار الرابع ( 2 : 276 ) وقال : انه ( عليه السلام ) شهد يوم حرب الفجار وذلك في سنة إحدى وعشرين ( من مولده ) وهي حرب كانت بين قريش وقيس عيلان ، وكانت لقيس على قريش ، وان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لما شاهدها صارت لقريش على قيس ، وكان على قريش يومئذ عبد الله بن جدعان التيمي ، وكانت هذه إحدى الدلائل المنذرة بنبوته ( عليه السلام ) التيمن بحضوره ( 2 : 286 ) . وقد يكون الاختلاف في سن النبي في حضوره الفجار ناشئا من