من سفنكم فأني أردت ان تعلموا أنه لا سبيل إلى بلادكم أبدا ، وأما ما حرقت من ثيابكم فإنه كان يغيظني ان ظفرت بكم الحبش ان يصير ذلك إليهم ، وأما ما ألقيت من زادكم في البحر فأني كرهت ان يطمع أحد منكم ان يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا بعد اليوم ، فإن كنتم قوما تقاتلون معي وتصبرون فاعلموني ذلك . فقالوا : نقاتل معك حتى نموت عن آخرنا أو نظفر ! فلما كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الأجل عبأ أصحابه وأقبل عليهم يحضهم على الصبر . وأمرهم أن يوتروا ويعدوا قسيهم ، ولم يكن لليمنيين نشاب قبل ذلك اليوم ، فقال لأصحابه : إذا أمرتكم ان ترموا فارموهم رشقا بالپنجكان [1] . وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه طويلا يمينا ويسارا ، وهو على فيل وعلى رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة . ثم نزل من الفيل فركب فرسا ، فأخرج وهرز نشابة فوضعها في كبد قوسه وقال لهم : ارموا ، فرموا ، ورمى مسروقا في جبهته فسقط عن دابته ، وقتل من ذلك الرشق الواحد جماعة كثيرة من جيش الأحباش ، ولما رأوا صاحبهم مسروقا صريعا انفضوا ، حتى كان الاستوار يأخذ من الحبشة ومن حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفين لا يمتنعون منه ، ولكن وهرز قال لهم : اقصدوا قصد السودان فلا تبقوا منهم أحدا أما حمير والأعراب فكفوا عنهم ، فقتل أكثر الحبشة ، وغنم الفرس من عسكرهم مالا يعد
[1] كلمة فارسية من پنج بمعنى الخمسة ، تعني : النشاب ذو شعب خمسة من النصال الحديدية .