لكن مستواهم الثقافي هذا كان السبب الطبيعي في أن ينظروا إلى أهل الكتاب عموما واليهود خصوصا نظرة التلميذ إلى معلمه فتكون لهم الهيمنة الفكرية عليهم ، مما بقيت آثاره في أخبار رواتهم فيقول الطبري : " عن بعض أهل العلم من أهل الكتاب " . غيرة وحمية ، أم حمية جاهلية : كما حاولوا أن يوجهوا الجاهلية بتفسيرها بمعنى الغضب لا عدم العلم والمعرفة ، كذلك حاولوا تحريف الحمية الجاهلية المذكورة في القرآن الكريم من كونها صفة ذميمة إلى جعلها خصيصة ذات ميزة للعرب قبل الإسلام ، وذلك بحذف صفة الجاهلية وإضافة لفظة " الغيرة " إلى " الحمية " . والحقيقة هي أن الحمية صفة ذميمة ، إذ هي تعني أن يكون النصر للقبيلة وذوي القرابة فقط ، وإن العون لا بد وأن يمحض لهم ظالمين كانوا أو مظلومين فلا بد من الوقوف إلى جانب ابن القبيلة سواء كان الحق له أو عليه ، حتى قال شاعرهم يمتدحهم بذلك : لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا وفي المقابل تتحمل القبيلة عنه كل جناية وجريمة يرتكبها ، وتحميه من كل من أراده بسوء . وهذا هو التعصب القبلي الذي لا يرحم ولا يلين . فالتعصب القبلي كان من مميزات الإنسان العربي وخصائصه . ومن الطبيعي أن يكون شعور أفراد كل قبيلة بالنسبة لأبناء قبيلتهم قويا جدا ، وذلك بدافع من شعورهم بالحاجة إلى قبائلهم للدفاع عن أنفسهم . وهذا هو السر في شجاعتهم أيضا ، وذلك أنهم بحكم بيئتهم وحياتهم