فلم يفرّق في دين اللّه بين المؤمن والفاسق ، والصالح والطالح ، وما يهمه بعد أن صمم أن يركز أسس الخلافة ويسندها إلى ذويه ، وهؤلاء ذويه وهؤلاء خيرتهم كمعاوية والوليد ومن سيأتي ذكرهم ألد أعداء الدين ، وخصوم الاسلام ، وبغات الانسانية الحاملين أعلام الكفر والفجور والزندقة والظلم . وإذا قيل إن الناس على دين ملوكهم فالملوك هم قادة ومربي الشعوب ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم . وفاقد الشيء لا يعطيك ما يفقده ، فهل ترجو من الجاهل العلم ؟ والمعدم المال ؟ وفاقد البصيرة الرأي والسداد والجبان الإرادة والعزم ؟ وهكذا . وهذا كلما تجده من هذه السلالة ، وهذا كلما تجده من الخلافة والخلفاء الذين ولوه الحكم . فكل قرين للمقارن يقتدى ، والطيور على أمثالها تقع . نعم : وقد مرت السنون والأحقاب وها نحن نتصفح التأريخ ويا لشد ما نرى الحوادث المؤسفة المخزية ، هذا الدين العظيم وتلك الجهود الجبارة لنبي الاسلام وما ورد في الكتاب والسنّة ووصايا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) كلها وكلها تضرب عرض الحائط صفحاً ، وإذا بعثمان وبيده زمام أمور المسلمين ويولي هذا الفاجر مركز الاسلام المهم في الكوفة الوليد بن عقبة اللعين ابن اللعين والفاسق ابن الكافر . ويبدأوها هذا بسلب بيت مال المسلمين بما فيه من الأموال في أول مرة مئة ألف ، فيستشيط الصحابي العظيم عبد اللّه بن مسعود القائم على بيت مال الكوفة ويستغيث ويشتكي ، ولمن المشتكى ؟ ومن هو المفزع آنذاك سوى الخليفة ؟ وإذا بهذا الخليفة يرى بالصحابي تحدياً وتجاوزاً على شرف بيت آل معيط وآل أمية ، ويرى فيه متجاوزاً حدود الأدب ، ويرى فيه متجاوزاً على حقوقه ، وكأن ما خلق اللّه إنما هو وقف لمتعة ولهو آل أمية وآل بني معيط ، وإن المسلمين إنما هم جميعاً خول ، وكأن الدين إنما هو ألعوبة لأغراضهم وبلوغ أهدافهم وسلطانهم ، وكل