لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار عثمان ( رض ) وأبى إلاّ الإقامة على أمره ، وارسل إلى حشمه وخاصته فجمعهم فقام رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقال له نيار ابن عياض وكان شيخاً كبيراً فنادى : يا عثمان ! فأشرف عليه من أعلى داره فناشده اللّه ، وذكره اللّه لما اعتزلهم ، فبينما هو يراجعه الكلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم [1] ، وزعموا أن الذي رماه كثير بن الصلت الكندي ، فقالوا لعثمان عند ذلك : ادفع إلينا قاتل نيار بن عياض لنقتله به . فقال : لم أكن لأقتل رجلاً نصرني وأنتم تريدون قتلي ، فلما رأوا ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه ، وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة وخرج سعيد بن العاص في عصابة وخرج المغيرة بن الأخنس الثقفي في عصابة فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وكان الذي حداهم للقتال أنه بلغهم أن مدداً من أهل البصرة قد نزلوا حراراً وهي من المدينة على ليلة ، وان أهل الشام قد توجهوا مقبلين فقاتلوهم قتالاً شديداً على باب الدار فلم يجدوا بداً للدفاع عن دينهم وأنفسهم ، وهذا عثمان يصر على إمارة آل أمية رغماً عن الأمة ، ويقتل حتى في اللحظة الأخيرة لمن جاء ينصحه باعتزال الأمر إلى نخبة الصحابة وهؤلاء بنو أمية وأذنابهم يتقدمون من داخل دار عثمان وهم يرجون المدد وإذ لم يجدوا بداً يتركون عثمان وحده ويهربون إلى دار حبيبة بيت أبي سفيان الأموية ، إحدى أمهات المؤمنين فتخبؤهم في كنجينتها [2] وتقع الملحمة في دار عثمان
[1] أخرج الطبري من طريق أبي حفصة مولى مروان . قال : لما حُصر عثمان شمرت معه بنو أمية وكنت معهم فإذا واللّه أنشبت القتال بين الناس رميت من فوق الدار رجلاً هو نيار الأسلمي فقتلته الخ . [2] راجع بذلك الأنساب للبلاذري .