فإنك من الساعين عليه ، والخاذلين له ، والسافلين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك عنّي ولا بيدك أمان . ومعاوية لا يخفى عليه أن علياً وابن عباس اللذين دالت لهم الأمور والبيعة إنما هم من أقطاب الاسلام ومطمح أنظار المسلمين ، وقد انهارت النهضة الصالحة وعادت دولة لبني أمية كما شادها أبو بكر وعمر وعثمان ، ولا يخفى على معاوية حقيقة ابن عباس ، انه ممن لا يرضى بعثمان خليفة ، لأنه غير وبدل وجاء ببني أمية ، فكيف يرضى بمعاوية ؟ وهنا أراد معاوية أن لم يقتله وإلاّ ليجعله في حذر دائم ورهبة مستديمة ، ويلقى عليه تبعة قتل عثمان ، وهو إن قال له : أعان لخذلانه ، فقد صدق ، فلم يكن ابن عباس شاذاً عن جماعة خيار الأمة والمسلمين ، الذين اجمعوا على خلع عثمان وعدم صلاحيته للخلافة التي أرغموا عليها ، ودون مشورتهم ، وهذا عثمان الذي غيّر وبدل ثم صعد المنبر واستغفر اللّه وأعطى عهداً للمسلمين من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ومن حضر من كافة الأقطار على إقامة حدود اللّه وكتابه وسنّة نبيه واعترف بذنوبه ، ثم كتب لهم بعزل صبيان بني أمية الفجرة ، ولكنه في الخفاء ، نكث العهد وأبقى من كان ، وما كان ، وأمر بالفتك بالمتظلمين الشاكين من الصحابة والمسلمين حتى نكث عليه عمله ولم يأمنوا منه ، ولم يأتمنوا هديته وعهوده ، ولج بالبقاء ، رغم اجماع الأمة على خلعه ، وإذا به يكتب سراً مرة أخرى إلى معاوية وبقية الولاة ويكتب إلى الحجج ويتظلم إليهم خدعة ومكيدة ، ويقول : من عبد اللّه عثمان أمير المؤمنين إلى من حضر الحج من المسلمين . أما بعد : فإني كتبت إليكم كتابي هذا وأنا محصور أشرب من بئر القصر ولا آكل من الطعام ما يكفني خيفة ان تنفد ذخيرتي فأموت جوعاً ، أنا ومن معي ، لا ادعى إلى توبة أقبلها ، ولا تسمع مني حجة أقولها فأنشد اللّه رجلاً من المسلمين بلغه كتابي إلاّ قدم عليَّ فأخذ الحق فيّ ومنعني من الظلم والباطل .