إنه إبراهيم : وكل هاتيك المؤثرات لا بد أن تشد الإنسان إلى الوراء ، وتمنعه من تنفيذ المهمة ، لولا أن الذي يتصدى لهذا الأمر هو إبراهيم ( عليه السلام ) . . شيخ الأنبياء ، وأفضلهم ، وأكرمهم عند الله بعد نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) . . إنه إبراهيم ( عليه السلام ) الذي لم يكن ليستجيب لهيجان العاطفة ، وكوامن الحب والمشاعر ، ودواعي الإعجاب التي تزيد من صعوبة الأمر عليه ، والتي أججها إسماعيل ( عليه السلام ) وهو طفل صغير بموقفه الإيماني الرائع ، ويقينه الراسخ ، ودرجة وعيه وخلوصه . . إنه إبراهيم ( عليه السلام ) الذي كان يرى الله ، والله فقط . . فما كان من هذا الأب الرحيم إلا أن باشر مهمته ، واندفع في الحدث إلى الذروة ، فجذب ولده ، وألقاه على الأرض ، وباشر تنفيذ الأمر الإلهي برضا وثبات . . * ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) * [1] وتجلى مقام إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام ) في الإسلام والاستسلام لله سبحانه ، الذي خلده الله تعالى له مثلاً عملياً حياً لكل جيل ، وفي كل عصر ، يعلمهم أن القيادة ليست مجرد أوامر ونواهٍ ، تصدَّرُ للآخرين وليست مجرد شعارات وانتفاخات ، واستعراضات إعلامية ، من قبل من يستولي على مقاليد الأمور بالمال أو بالجاه أو بالقوة . . بل القيادة والإمامة هي اختيار من الله لمن بلغ هذا المستوى من الرضا والتسليم والاستسلام لله سبحانه . ومن هو على أتم الاستعداد للتضحية بكل غال ونفيس ، حتى بالنفس والولد في طاعة الله سبحانه ، حتى لو كان الولد هو إسماعيل ( عليه السلام ) في ميزاته وفي خصائصه .