إقدامه على قتل ولده سيكون أقرب إلى المحال . لا سيما بعد أن عاش معه ردحاً من الزمن ، وتلمس ميزاته ، وألِف حركاته ، وتجلت له كمالاته . . ولن يخبر ولده بالأمر ، لأنه سيرى أن ذلك يزيد في ألم ذلك الولد وفي حيرته ، وسوف يزيد انتظار ولده للذبح من آلام ذلك الوالد ، ومن صعوبة تنفيذ المهمة التي تواجهه . . فكيف إذا كان لا بد له أن يقتله بطريقة الذبح ، وبيده ، وبسكينه . كما حصل لإبراهيم ( عليه السلام ) . وقد واجه إبراهيم ( عليه السلام ) هذا الأمر الإلهي بالذبح - نعم . . الذبح لا مجرد الضرب أو الطرد - بصبر وأناة ، وتصدى لامتثال أمر الله سبحانه بكل رضا وثبات ، وعزيمة وإصرار . ولم نجده أفسح المجال لأي احتمال أو وهم يراود نفسه ، فيما يرتبط بجدية هذا الأمر ، وأنه إنما جاء عن طريق الرؤيا ، ولم يتساءل عن أسبابه ، فلعله يقدر على إزالة تلك الأسباب . . من المعلوم : أن الأنبياء هم أكمل البشر في إنسانيتهم ، وأصفاهم نفساً ، وأشدهم إحساساً . ونفوسهم تزخر بالعواطف النبيلة ، ومشاعر الحب الجياشة . وهم في منتهى الرقة على بني الإنسان ، فكيف إذا كان هذا الإنسان طفلاً ، وكيف إذا كان في مستوى نبي هو إسماعيل ( عليه السلام ) . . إن هذه الخصوصيات التي بيناها تعطينا القيمة الحقيقية لامتثال الأمر الإلهي لإبراهيم ( عليه السلام ) بالذبح لولده إسماعيل ( عليه السلام ) كما أنها تعطي أيضاً قيمة كبرى لإيمان إبراهيم ( عليه السلام ) الذي أوصله إلى درجة الرضا ، بهذا الأمر ، والاندفاع