بل يمكن ذلك ، وقد فعلوا أكثر من ذلك ، فقد قالوا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه ليهجر ، فكيف لا يتجرأ على الزهراء ( عليها السلام ) ، مع أنه لا بد أن يدرس واقع هؤلاء الناس من الصحابة وميولهم ، ونفسياتهم ، وطموحاتهم ، وتاريخهم وحتى الجغرافيا البشرية والتركيبة السكانية التي كانت قائمة في المجتمع إبان الحادثة ، ولا يكفي الاعتماد على الاستحسانات والربط الذوقي بين النصوص ، وحين نقرأ موضوع الفتوحات في صدر الإسلام فإن من كتب فيها قد عظّم ، ومجّد ، وبجّل ، وامتدح ، واعتبرها الإنجاز العظيم للخلفاء والفاتحين ، مع أنها لو درست بواقعية لخرج الدارس لها بنتيجة : أنها أضرت في الناحية العقائدية والسلوكية للمسلمين ، فهل كانت الفتوحات قربة إلى الله ؟ وهل كان الفاتحون مخلصين في عملهم ؟ أم كانوا يبحثون عن الأموال والنساء ؟ ! والمخلصون منهم قد يكونون غير قليلين ولكن هل هم الذين كانوا في موقع القرار ؟ ! والقوة الفاعلة والمؤثرة في مصير الفتوحات ونتائجها ؟ ! أم لم يكن الأمر كذلك ؟ ! . . أما أن نأتي ونبحث هذا الأمر ونحن مبهورون بالشعارات ، فلا يكون همنا سوى التعظيم والتمجيد دون التدقيق في واقع ما حصل ، فذلك غير صحيح ولا سليم . . خصوصاً إذا كانت الوقائع قد أظهرت أن بعض تلك المشاهد التي طواها الزمن قد كانت وهمية ومفتعلة ، لأن هذا التاريخ كتبه الحكام أو أشرفوا على كتابة كثير من فصوله ، فلا يعقل أن يكتب هؤلاء ما يضر بسياستهم وبأهدافهم . . وعلى كل حال ، فإن هذه مفردات لم يحسن الباحثون النظر إليها ولم تكن نظرتهم هي نظرة من يبحث عن الواقع بتجرد ونزاهة ، وصفاء قريحة ،