وكان يحمل في كلّ عام إلى أهل الحرمين مكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها ، حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها ، والأقلام والمداد ، وآلات النساء ، ويَحمل كل سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملاً كبيرة ، وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد ، فلا يخيب أمل قاصد منهم . ولما كان في الليلة التي قُتِل صبيحتها قال : هذه الليلة ضُرِبَ في مثلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأمر بقربة ممتلئة فاغتسل ، وصلى على رأي الإمامية مائة وعشرين ركعة ، أحيا بها ليله ، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوشت ، فقعد في دهليز دار الوزارة وأمر بإحضار ابن الضيف ، وكان يتعمم للخلفاء والوزراء ، وله على ذلك الجاري الثقيل ، فلما أخذ في إصلاح العمامة قال رجل للصالح : نعيذ بالله مولانا ، ويكفيه هذا الذي جرى أمراً يتطير منه ، فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل ، فقال : الطيرة من الشيطان ، ليس إلى تأخير الركوب سبيل ، وركب فكان من ضَرْبِهِ ما كان ، وعاد محمولاً فمات منها كما تقدم » . أقول : كان إرسال طلائع بن رزيك كرامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ظرف حساس على مصر ، حيث ضعفت الدولة الفاطمية ، بسبب مؤامرات خصومها ، وترف خلفائها وبَذْخهم ، فطمع فيها الصليبيون .