كيف يجاهد الحاكم نفسه ويتخلص من غروره ؟ وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة ، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك ، ويكف عنك من غربك ، ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك . إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته ، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال . أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، ومن خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنك إلا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب . وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته ، من إقامة على ظلم ، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد . موقف الحاكم إلى جنب الجمهور وليس البطانة وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء ، وأقل معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل شكراً عند الإعطاء ، وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمات الدهر ، من أهل الخاصة . وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة ، فليكن صغوك لهم وميلك معهم .