لم تمتزجا ، وظهر أثر التركيب والتأليف بينهما . ثم إن فواصل كل واحد منهما تنساق سياقةً بمقتضى البيان الطبيعي ، لا الصناعة التكلفية . ثم انظر إلى الصفات والموصوفات في هذا الفصل ، كيف قال : ولداً ناصحا ، وعاملاً كادحا ، وسيفاً قاطعا ، وركناً دافعا . ولو قال ولداً كادحاً وعاملاً ناصحاً ، وكذلك ما بعده لما كان صواباً ، ولا في الموقع واقعاً . فسبحان من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة ! أن يكون غلام من أبناء عرب مكة ، ينشأ بين أهله ، لم يخالط الحكماء ، وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم الإلهية من أفلاطون وأرسطو ! ولم يعاشر أرباب الحكم الخلقية والآداب النفسانية ، لأن قريشاً لم يكن أحد منهم مشهوراً بمثل ذلك ، وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط ! ولم يرب بين الشجعان ، لأن أهل مكة كانوا ذوي تجاره ، ولم يكونوا ذوي حرب ، وخرج أشجع من كل بشر مشى على الأرض ! قيل لخلف الأحمر : أيما أشجع عنبسة وبسطام أم علي بن أبي طالب ؟ فقال : إنما يذكر عنبسة وبسطام مع البشر والناس ، لا مع من يرتفع عن هذه الطبقة ! فقيل له : فعلى كل حال . قال : والله لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما .