نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 30
أم أرادها ناس آخرون لم يكونوا مخلصين لثقافة العرب وحضارتهم ، فقصدوا إلى هذه الخدعة عن وعي وعمد ، ليعطلوا جيد ثقافتنا وحضارتنا من روائع البدع الفكرية والأدبية التي صنعها العقل العربي باداة عربية خالصة ، هي اللغة وأسلوبها وعبقرية تعبيرها ؟ . . يغلب في ظني ، وأكاد أقول في يقيني ، ان الذي دس الدسيسة هذه ، هو إلى العدو أقرب منه إلى الصديق ، وان المسألة في مصدرها التاريخي انما ترجع إلى ناس أرادوها تحريفا لمفهوم الثقافة القومية ، ليكون ذلك سبيلا إلى تحريف تاريخنا الثقافي ذاته ، وتشويهه ، والانتقاص من قيمته ، فإذا هم يفردون عددا من اعلامه واحدا بعد واحد ، ويفردون نتاج عبقرياتهم في معزل عن تراثنا الأصيل ، بزعم أنهم « شعوبيون » ، حتى يقفوا بنا أمام هذا التراث وهو خلو من بدائع الأدب والفكر التي أبدعها أولئك الأعلام في أزهى أيامه وأخصب عهوده . . . ثم ما لبثت الدسيسة تسري متنقلة في كتب التاريخ والسير حتى وصلت إلى أجيالنا المتاخرة وإلى جيلنا المعاصر بالذات ، فإذا بنا نأخذها أخذ المسلمات أو الحقائق الثابتة ، دون مناقشة ، أو محض شك ! . . مثلا : بشار بن برد . . « شعوبي » ! . . عبد الله بن المقفع . . « شعوبي » ! . . أبو نواس . . « شعوبي » ! . . ابن الرومي . . « شعوبي » ! . . بل . . حتى أبو عثمان الجاحظ ، وأبو الطيب المتنبي « شعوبيان » ! . . [1] لما ذا ؟ . . كان يكفي أن يرجع النسب بأحد هؤلاء وأمثالهم إلى أصل فارسي ، مثلا ، حتى يخرجوه بهذا الوصف من نطاق نسبه الفكري والثقافي والأدبي ، أي نسبه العربي الذي نماه فكرا وثقافة وأدبا ولغة وحياة يومية ، هي حياة اللحم والدم ، حياة الذهن والقلب . . بل ، كان يكفي ان يجهل المؤرخون حلقة واحدة من نسب كاتب أو شاعر أو مفكر ، أو أن يشكوا مجرد الشك ، حتى يلحقوه بفصيلة « الشعوبية » ! . . لقد كان أبو نواس « أعرق » هؤلاء الأعلام « شعوبية » في رأي مؤرخي أدبنا العربي ، وهو لا يزال هكذا في رأي الكثرة الغالبة من مثقفي جيلنا المعاصر نفسه . . فلننظر ، إذن ، في المستند الذي ركنوا إليه حين أطلقوا حكمهم ذاك على أبي نواس ، لنرى : هل يصح لمنطق العلم والتاريخ ان يركن إليه ، حتى نتبعهم واثقين ، أو أن الأمر ليس بهذه المنزلة من البداهة التي أخذته بها الأجيال منذ العصر العباسي الأول حتى اليوم . . فإذا استطعنا ان نصل بامر أبي نواس إلى رأي علمي مقبول ، فان امر غيره من الموصومين ب « الشعوبية » يصبح يسيرا لا محالة : ولننطلق الآن ، في موضوعنا ، من هذا السؤال : - هل صحيح أن أبا نواس كان شعوبيا . . بمعنى أنه كان عدوا للعرب يفضل عليهم الفرس ، كما كان معروفا من معنى الشعوبية في العصر الذي نشات فيه هذه النزعة العنصرية البغيضة ؟ . . لكي نستطيع ان نستخلص الحقيقة في هذه الدعوى ، يجب أولا ، أن نستعرض جملة الشواهد التي احتجوا بها على شعوبيته ، ثم ننظر في هذه الشواهد نظرة موضوعية ، غير متاثرين بسيطرة الفكر التقليدية المتوارثة منذ أجيال ، لنرى : هل تكفي هذه الشواهد للحكم لشعوبية أبي نواس أو هي قاصرة عن إثبات هذه الدعوى لقد استدلوا على شعوبيته بما يلي : أولا - ما ورد في شعره من كلام وصفوه بأنه مدح للفرس وهجاء للعرب ، مثل قوله : < شعر > ولفارس الأحرار أنفس أنفس وفخارهم في عشرة معدوم وإذا أعاشر عصبة عربية بدرت إلى ذكر الفخار تميم وبنو الأعاجم لا أحاذر منهم شرا ، فمنطق شرهم محسوم لا يبذخون على النديم إذا انتشوا ولهم ، إذا العرب اعتدت ، تسليم وجميعهم لي ، حين أقعد بينهم بتذلل وتهيب ، موسوم < / شعر > وقوله : < شعر > تراث أبي ساسان كسرى ولم تكن مواريث ما أبقت تميم ولا بكر < / شعر > ثانيا - ما ورد في شعره من هجوم على الشعر العربي الذي يصف البادية والاطلال وعلى حياة البادية نفسها وعلى أهلها كقوله : < شعر > لتلك أبكي ، ولا أبكي لمنزلة كانت تحل بها هند وأسماء حاشا لدرة ان تبنى الخيام لها وان تروح عليها الإبل والشاء < / شعر > وقوله :
[1] مهيار الديلمي ممن اتهموا بالشعوبية . ومن المعلوم ان مهيار فارسي الأصل ، فكان من الطبيعي ان يذكر قومه الفرس بالخير ، دون ان يسيء إلى العرب ، بل انه فعل أكثر من ذلك ، حين تغنى بأصله الفارسي ودينه العربي فقال فيما قال : < شعر > وجمعت المجد من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب < / شعر > فكان بهذا القول عند من تنطحوا لهذه الأمور شعوبيا لانه يذكر سؤدد قومه ! ! . فكان الأمر عند هذا الفريق من الناس هو انه لا يبرأ غير العربي من تهمة الشعوبية الا بان يتبرأ من قومه ولو كان مسلما مفاخرا بإسلامه ، وانه يحق لهم وحدهم بان يتغنوا بقومهم ، ولا يحق ذلك لغيرهم من الأمم ! ! على ان باذري بذرة الشعوبية الأولى ، هم - مع الأسف - من العرب ، وقد بذرت هذه البذرة في ظل الحكم الأموي وفي رعايته . قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي : كتاب مثالب العرب أصله لزياد ابن أبيه ، فإنه لما ادعى أبا سفيان أبا ، علم ان العرب لا تقر له بذلك مع علمهم بنسبة ، فعمل كتاب ( المثالب ) وألصق بالعرب كل عيب وعار وباطل وأفك وبهت . ثم ثنى الهيثم بن عدي وكان دعيا فأراد ان يعر أهل الشرف تشفيا منهم ، واما كتاب المثالب والمناقب الذي بايدي الناس اليوم فإنما هو للنضر بن شميل الحميري وخالد بن سلمة المخزومي وكانا أنسب أهل زمانهما ، أمرهما هشام بن عبد الملك ان يبينا مثالب العرب ومناقبها ، وقال لهما ولمن ضم إليهما : دعوا قريشا بما لها وعليها ، فليس لقريش ذكر في ذلك الكتاب « انتهى » . ومثله قال أبو الفرج الأصبهاني . على ان الأمر عند هؤلاء المتنطحين اسوأ من ذلك ، فمن كان فارسي الأصل وفاخر بأهله ، فان هذا الفخر مغفور له ولا يعد شعوبيا ، إذا كان من أعداء أهل البيت المنابذين لهم ! . فابن حزم مثلا المجوسي الأصل ، الفارسي النسب ، إذا فاخر بذلك وقال : < شعر > سما بي ساسان ودارا وبعدهم قريش العلى أعياصها والعنابس فما أخرت حرب مراتب سؤددي ولا قعدت بي عن ذرى المجد فارس < / شعر > كان هذا القول مقبولا منه لا اعتراض عليه ، لانه من النواصب المعادين لأهل البيت الشاتمين لاشياعهم ، مضافا إلى ذلك ان جده الأعلى خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد كان مولى يزيد بن أبي سفيان ، وهو في بيتيه المتقدمين يباهي بذلك ، لهذا فهو لا يؤاخذ بافتخاره بأصله الفارسي ولا ينسب إلى الشعوبية بل يثنى عليه ويمجد لأن معاداة أهل البيت والتهجم على اتباعهم تغفر كل سيئة . اما مهيار الديلمي الذي يعتز بانتمائه إلى الإسلام مع اعتزازه بقومه ، فهو يؤاخذ ويهاجم ويتهم بالشعوبية ، لانه أخلص الولاء لأهل البيت وأحب علي بن أبي طالب ومدحه بقصائده الخالدات ، وهذا ذنب تستحل معه كل التهم ! . ابن حزم الذي يعتز بساسان ودارا ، ويقرن اعتزازه هذا ، باعياص قريش وعنابسها الأمويين ، ليس بشعوبي ، ومهيار الديلمي الذي يعتز هو الآخر بكسرى ، ويقرن هذا الاعتزاز لا ( بالاعياص والعنابس ) ، بل بالإسلام ويعتبر انتسابه إليه مجدا باذخا هو شعوبي ! لما ذا ؟ لأن الأول غض من علي بن أبي طالب وتعرض له بالسوء وفضل عليه حتى نساء النبي ، وشتم محبيه ، ولأن الثاني أحب علي بن أبي طالب ومدحه ! هكذا يكتب تاريخ العرب والإسلام ! « حسن الأمين »
30
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 30