نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 12
< شعر > لقد آن أن يثني الجموح لجام وأن يملك الصعب الابي زما أيوعدنا بالروم ناس ، وإنما هم النبت ، والبيض الرقاق موام ؟ < / شعر > أبو العلاء هنا فارس على أهبة ان ينزل المعركة ، ولكنه يبتدر العدو بالنذير الرهيب قبل النزال ، والعدو هنا هو جيش الروم كذلك أو من يواليهم ويستعديهم من الخونة الأعراب ، والمعركة دفاع عن الثغور ، وذياد عن الحمى العربي ، وانتخاء لضرب الغزاة ، واعتزاز بامجاد الفروسية العربية : < شعر > كان لم يكن بين المخاض وحارم كتائب يشجين الفلا وخيام « 1 » ولم يجلبوها من وراء « ملطية » تصدع أجبال بها وآكام « 2 » كتائب من شرق وغرب تالبت فرادى أتاها الموت ، وهي تؤام غرائب در جمعت ، ثم ضيعت وقد ضم سلك شملها ونظام بيوم كان الشمس فيه خريدة عليها من النقع الأحم لثام « 3 » كأنهم سكرى أريق عليهم بقايا كئوس ملؤهن مدام فاضحوا حديثا كالمنام وما انقضى فسيان منه يقظة ومنام < / شعر > والظاهر من سياق القصيدة انها موجهة إلى قائد عربي امتحنته التجارب بمقاتلة الروم ، ولكن المصادر التي بأيدينا لا تعين لنا هذا القائد ، غير أن لهجة أبي العلاء في هذه القصيدة ليست لهجة المادح كما نعرف طرق المدح في شعرنا القديم ، بل من الواضح أن أبا العلاء هنا يعبر عن انفعال وجداني بالقضية التي تدور عليها القصيدة ، وظاهر ان القضية ليست تعني الشاعر وحده ، ولا الممدوح وحده ، وإنما هي تعني قوما من الناس نحس أن الشاعر عظيم الاعتزاز بهم ، عميق الثقة بسلامة قضيتهم التي تتحدث عنها القصيدة ، ونجد في ذلك حرارة لا تكون في الشعر عادة الا ان تكون هنا مشاركة وجدانية بين الموضوع والشاعر : < شعر > وردوا إليك الرسل ، والصلح ممكن وقالوا على غير القتال سلام فلا قول الا الضرب والطعن عندنا ولا رسل الا ذابل وحسام فان عدت ، فالمجروح توسى جراحه ، وان لم تعد متنا ونحن كرام فلسنا - وان كان البقاء محببا - بأول من أخنى عليه حمام « 4 » وحب الفتى طول الحياة يذله وان كان فيه نخوة وعرام وكل يريد العيش ، والعيش حتفه ويستعذب اللذات وهي سمام « 5 » فلما تجلى الأمر ، قالوا تمنيا : ألا ليت أنا في التراب رمام وراموا التي كانت لهم وإليهم وقد صعبت حال وعز مرام < / شعر > وإذا كانت المصادر التي نرجع إليها الآن في سيرة أبي العلاء لا تلقي ضوءا على موضوع هذه القصيدة أو على صاحبها الذي يخاطبه فيها أبو العلاء ، برغم الجهد الذي بذلناه في استنطاق الحوادث التي عاصرها الشاعر قبل رحلته إلى بغداد وبعد هذه الرحلة ، وفي مقارنة روح القصيدة ومضامينها بتلك الحوادث - نقول : إذا كانت المصادر لا توضح لنا شيئا يطمئن إليه الباحث بهذا الشأن ، فاننا نميل إلى الحدس - الحدس وحسب - بان أبا العلاء أنشا هذه القصيدة خلال البرهة التي كانت الحرب فيها سجالا بين الفاطميين والبيزنطيين في بلاد الشام ، وذلك قبل ان يرحل أبو العلاء إلى بغداد ، وحين كان في المرحلة الأولى من حياته ، مرحلة الشباب . وهذا الحدس ، إذا دعمه دليل أو شاهد تاريخي مقبول ، إنما يوجه هذه القصيدة لأن يكون صاحبها الذي قيلت فيه واحدا من قادة الجيوش الفاطمية التي حاربت البيزنطيين في بلاد الشام نحو أربع سنوات ، كما مر ، فإذا استطعنا أن نطمئن إلى هذا التوجيه ، وضعنا دليلا جديدا بيد الباحث الكبير مارون عبود على صحة رأيه بان أبا العلاء كان فاطمي المذهب . غير أن هذه النتيجة ، إذا أمكن الوصول إليها من الوجهة التاريخية بالأقل ، لا تمنع ان تظل القصيدة هذه ذات وجه عربي تتلامع فيه من أبي العلاء ملامح الاعتزاز بعروبته والانتخاء لكرامة قومه وعزتهم . وقد تزيد هذه الملامح تالقا حين نطوف مرة اخرى في أشعار « سقط الزند » فإذا أبو العلاء يستوقفنا أيضا عند هذه القصيدة التي مطلعها : < شعر > إليك تناهى كل فخر وسؤدد فابل الليالي والأنام وجدد < / شعر > ولكنه يبهم علينا الأمر هنا كذلك ، فلا يزيد في عنوان القصيدة عن هذه الكلمات : « وقال أيضا مادحا » . . أما من هو الممدوح هنا ، فكل شيء مبهم لا يرد جوابا عن ذلك . ولا ندري أكان قصدا من أبي العلاء إلى هذا الإبهام ، وهو جامع « سقط الزند » كما نعلم ، أم كان ذلك من صنع الأيدي الكثيرة التي تداولت نسخ الديوان ، أم من صنع الناشرين بعد ذلك ؟ المرجح أن ذلك من صنع أبي العلاء نفسه ، بدليل ما جاء في مقدمته لسقط الزند من إظهاره التنصل من مدائحه التي وجهها إلى الأمراء والحكام ، إذ قال : « ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد ، ولا مدحت طالبا للثواب ، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس » الطبيعة « . ثم قال في تفسير مدائحه : » . . وما وجد لي من غلو علق في الظاهر بادمي وكان مما يحتمله صفات الله عز وجل سلطانه ، فهو مصروف إليه ، وما صلح لمخلوق سلف من قبل ، أو غير ، أو لم يخلق بعد ، فإنه ملحق به وما كان محضا من المين لا جهة له ، فاستقيل الله العثرة فيه « . فإنه لظاهر من هذا النص أن أبا العلاء حين جمع » سقط الزند « وهو معتكف في » محبسيه « كان حريصا ان يتنكر لعلاقاته السابقة برجال السياسة أيام شبابه وقبل اعتكافه ، وبتأثير هذا الحرص تعمد ان يغفل أسماء ممدوحيه في سقط الزند ليطمس معالم العهد الذي سبق عهد عزلته . وهذا سر آخر من أسراره التي غمضت على المؤرخين له والباحثين في شانه . ولكن هل تنصل أبي العلاء من مدائحه تلك في عهد عزلته يغير شيئا من الواقع نفسه ، نعني الواقع الموضوعي الذي انشئت تلك القصائد من أجله ؟ ان رغبة أبي العلاء ذات صفة اخلاقية وفكرية مرهونة بحاله في عهد خاص ، وأما ذلك الواقع فله صفة تاريخية موضوعية لا يغيرها شيء . ولكن مؤرخي أبي العلاء هم المقصرون ، فلم ينفقوا جهدا في كشف العلاقة بين قصائد المدح وروابطها التاريخية ، في حين ان مثل هذه المهمة تدخل في صميم التاريخ الحقيقي لرجل ذي شان كشان أبي العلاء . . ويقينا لو أن المؤرخين ، قدماء ومحدثين ، قد عنوا بهذه المسألة لانكشفت لنا غوامض جمة من سيرة الرجل ، ومن مذاهب الرأي فيه ، ومن أسباب عزلته وتزهده ، ومن اتجاهاته العقلية والدينية . وكيف كان الأمر ، فان أبا العلاء يستوقفنا الآن في » سقط الزند « عند هذه القصيدة ، فإذا نحن نعلم - كل ما نعلم - ان الممدوح بها أمير عربي محارب ، وانه من القادة الذادة عن ثغور الدولة العربية الإسلامية على حدود الروم من شمال سورية ، وذلك إذ يخاطبه أبو العلاء : < شعر > ولولاك لم تسلم » أفامية « الردى وقد أبصرت من مثلها مصرع الردي « 6 » < / شعر >
12
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 12