نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 102
وقال عنه حسن شرارة : « يوم يولد تولد دنيا جديدة لا تخوم لها ولا حدود . . . ويوم يموت : تموت طيوف إبداع وأدوات خلق ومفاتيح رؤى . . . يموت الفكر الحالم المتوقد . . . والوجدان المتفتح . . . تموت الطيوف والرؤى » . ولقد قيل فيه الكثير وأجمعت الأقوال دون استثناء على أن عبد المطلب شخص هفت إليه الأسماع وأنشدت إليه الأذهان وكانت تميل القلوب حيث يميل . . . والذين عرفوه كان الواحد منهم في حالة دائمة من الانتظار إلى أن ياتي عبد المطلب . على أن لكل لقب ، أي لكل موهبة ، ولكل وظيفة نوعا من العلاقة مع الناس وإذا تنوعت وتمايزت علاقات الشاعر والقاضي والناقد والصحافي والسياسي فلأن نافذة الشاعر على جماهيره هي نافذة صاحب الموهبة والشفافية والخيال ومن خلالها يحكم على الشاعر أنه يرى ما لا يراه الآخرون وبصره يخترق الحجب ولسانه يعزف على أوتار القلب . . . و . . . و . . و . . ، والصحافي أمام جماهيره قابض على السياسة دون أن يغرق فيها ملكة الفضول عنده كسلاح الهندسة في الجيوش ، يتبعها على الخيط ويعود من الكواليس ليجد الأذان في انتظاره . . . شانه شان الشاعر يعرف ما لا يعرفه الآخرون ، أو على الأقل ، هكذا كان شانه منذ عقدين وما سبق . والقاضي ، في قلمه اللحظة التي يميز فيها بين الأسود والأبيض الجريمة والبراءة ، السجن والحرية ، وذاكرته خزانة لغرائب الناس ومساكينهم ، أشرارهم وعقلائهم ، وهو جزء من السلطة محاط بمهابتها ، ينهار لقبه إذا انهارت ، ولكن إذا قويت وتماسكت فويل لمن يقع فريسة القانون . . . والسياسي كما قال الشاعر : واحد يملك الشرفات وآخر يملك الحبال ، واحد يملك اللآلي وآخر يملك النمش والتواليل . . . واحد السفن وآخر الأمواج . . . ولكل منهما طريقة إلى القلوب ولكل منهما موقع وأثر ، واحد يجيب الذين يسألون : كم الساعة الآن . . . والآخر يعرف كم ستكون الساعة . . . واحد يصنع زعامته بين الرؤساء والوزراء والسفراء ويصفع بها وجوه الناس وأحلامهم ، وآخر يمشي على خط طويل يمتد بين الحي الشعبي أو المدرسة أو المعمل وبين ساحة واسعة اسمها حركة التحرر ، ويختار حيث يستطيع موقع الزعامة أي القيادة ويمنحها للذين ينضحون عرقا ونضالا . . والناقد في لغة الحروب مثل القناص يصوب من بعيد ، يصوب عبر نافذة ضيقة ، باتجاه الناس فيطل عليهم « بالمفرق » بينما السياسي أو القاضي . . . « بالجملة » . . . وكيف إذا اجتمعت هذه الألقاب والصفات والوظائف والمواهب في شخص واحد وكيف إذا كان هذا الواحد عبد المطلب الأمين . أجل هو نفسه الذي حشد في داخله سياسيا وقاضيا وصحافيا وشاعرا وناقدا ومحاميا وغلف هذه الجوانب ووحدها وصهرها واخرج منها شخصا ليس بالقاضي ولا بالشاعر ولا بالمحامي ولا بالسياسي ولا بالصحافي . . . بل هو من كل واحد من هؤلاء زبدته وقد تقمصت إنسانا يتقن ترجمة معارفه ومواهبه بالمرح الدائم والنكتة المبتكرة . وقد يكون مفاجئا للبعض اعتبار جانب المرح وإتقان فنون الضحك والدعابة اللطيفة والفرح الجاهز دوما والمستخرج دوما من أي شيء ، من أية وظيفة ، من أي موقع أو موقف أو شخص أو حدث أو خبر أو حركة . . . أهم جوانب شخصيته ، أجل أهم ما في عبد المطلب موهبته في تجميع المواهب وموهبته في توزيعها على الناس عبر أقرب الطرق وأسهل السبل وأكثرها امتاعا . . . قد نجمع على احترام عدد من الأشخاص وعلى محبتهم لكننا لا نحبهم ولا نحترمهم بنفس المضمون وعلى نفس الطريقة ، وقد تكون أساليب تعبيرنا واحدة وأدوات تعبيرنا واحدة لكننا حيالهم كمن يعزف تنويعات على آلة موسيقية واحدة . . . أي نوع من العزف كأنه عبد المطلب ؟ كلما وجهت هذا السؤال لأحد ارتبك لأنه لا يحسن اختصار عبد المطلب بالكلام أنه شخص لا يجوز اختصاره . اراني امدح عبد المطلب الأمين أكثر مما أقدمه أو اعرف به ، انني في ذلك أترجم مواقف الذين سالتهم عن عبد المطلب . كلهم أجمعوا على أن من الطبيعي بل ومن الضروري أن يكون موقع عبد المطلب أفضل مما كان . . . وان يكون دوره أكبر مما كان ، وأن تكون مكانته الرسمية أكثر رسوخا وبروزا وشهرة وتأثيرا . . . كلهم دون استثناء اتفقوا إذن على أمرين : - الأول هو أن امكاناته ومواهبه كانت كبيرة وكبيرة جدا . - الثاني ان موقعه في تاريخ بلاده لم يكن موازيا لتلك الإمكانات . أما أن امكاناته كانت كبيرة ومتعددة فذلك أمر لا شك فيه ، كما أنه لا شك في الدور الكبير الذي كان لنشأته في بيت ذي مكانة في تاريخ جبل عامل وبلاد الشام وفي تاريخ الفكر الشيعي الحديث ، عبد المطلب هو ابن السيد محسن الأمين وهو من هو في المجال الديني والفكري والسياسي ، انه أحد المراجع الكبرى في زمانه في الدين كما في المواقف الوطنية . وانطلاقا من هذا المنشأ تهيأت الظروف لعبد المطلب الأمين كي يكون في عداد الرعيل الأول من المتعلمين والذين تابعوا دراستهم ( حمل إجازة في الحقوق عام 1939 ) وقد اتقن إلى جانب العربية الفرنسية والإنكليزية والروسية واتيح له أن يتخرج من بيت عريق بالثقافة تخصص في جانب مهم من التراث التاريخي والديني . . . على المستوي الثقافي العام استطاع عبد المطلب إذن ان يستفيد من منشاه الأكاديمي والبيتي والوظيفي ليتكون في داخله جانب من شخصية رجل الدين المحدث ، العارف بشئون الأولياء والصحابة الناقل لأخبارهم وسيرهم ، الملم بشئون القرآن وتفسيره . . إلى آخر ما يوفره الجو العام في بيت السيد محسن الأمين . . . وليتكون في داخله نموذج المثقف الجديد الذي لا يكتفي بالتراث بل يميل إلى حضارة الغرب ويطلع على بعض أثارها من خلال اللغات التي يتقنها . . وليتكون في داخله نموذج يجسد المجتمع الجديد الذي يخطو من العلاقات الدينية الاقطاعية إلى العلاقات المدنية الرأسمالية . وهكذا بدا عبد المطلب بثقافته نموذجا للجديد الذي بقي على صلة وثيقة بما كان سائدا في الذاكرة الشعبية من التقاليد والعادات والأفكار والقيم . وعلى المستوي الأدبي لا سيما الشعر كان عبد المطلب ، شاعرا ، بل لقد كان واحدا من الشعراء الأربعة أبناء السيد محسن الأمين : واخوته حسن وجعفر
102
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 102