نام کتاب : مروج الذهب ومعادن الجوهر نویسنده : المسعودي جلد : 3 صفحه : 458
والله أعلم بكيفية ذلك ، فأحضر المأمون الأطباء حوله يؤمل خلاصه مما هو فيه ، فلما ثقل قال : أخرجوني أشرفُ على عسكري ، وانظر إلى رجالي ، وأ تبين ملكي ، وذلك في الليل ، فأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد أوقد من النيران ، فقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ، ثم رُدَّ إلى مرقده وأجْلَسَ المعتصم رَجلًا يشهده لما ثقل [1] ، فرفع الرجل صوته ليقولها ، فقال له ابن ماسويه : لا تَصِحْ فو الله ما يفرق بين ربه وبين ماني في هذا الوقت ، ففتح المأمون عينيه من ساعته ، وبهما من العظم والكبر والاحمرار ما لم يُرَ مثله قط ، وأقبل يحاول البطش بيديه بابن ماسويه ، ورام مخاطبته ، فعجز عن ذلك ، فرمى بطرفه نحو السماء ، وقد امتلأت عيناه دموعاً ، فانطلق لسانه من ساعته ، وقال : يا من لا يموت ارحم من يموت ، وقضى من ساعته ، وذلك في يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين ، وحمل إلى طرسوس فدفن بها ، على حسب ما قدمنا في أول أخباره من هذا الكتاب . قال المسعودي : وللمأمون أخبار حسان ومَعَانٍ وسير ومجالسات وأشعار وأخلاق جميلة ، قد أتينا على مبسوطها فيما سلف من كتبنا ، فأغنى ذلك عن ذكرها . وفي المأمون يقول أبو سعيد المخزومي : < شعر > هل رأيت النجوم أغنت عن المأ مون شيئاً وملكِه المأنوس خَلَّفُوه بعرصتي طرسوس مثل ما خلفوا أباه بِطُوس < / شعر > وكان المأمون كثيراً ما ينشد هذه الأبيات : < شعر > ومن لا يزل غَرَضاً للمنو ن يتركْنَه ذات يوم عميدا فان هنَّ أخطأنه مرة فيوشك مخطئها أن يعودا فبينا يحيد وتخطينه قصدن فأعجلنه أن يحيدا < / شعر >