خاصة ، وأمضى ايامه في تحرير مؤلفاته التاريخية ، ولا سيما كتابه : « اخبار الزمان » الذي يقع في 30 مجلداً ، فقدت كلها باستثناء مجلد واحد يوجد في مكتبة فيينا الأهلية والذي اختصره في كتاب آخر يدعوه : « الكتاب الاوسط » ، وهما كتابان كثيراً ما نوه بذكرهما في تضاعيف « مروجه » .
وقد حدا به إلى هذا النهج : « محبة احتذاء الشاكلة التي قصدها العلماء وقفاها الحكماء ، وأن يبقى للعالم ذكراً محموداً وعلماً منظوماً ممتداً » كما يقول هو نفسه .
لقّبه فون كريمر [1] ب « هيرودوتس العرب » وهو تشبيه تصح فيه المشابهة والمحاكاة ، أفلم يلقبه ابن خلدون ب : « إمام المؤرخين . وهو تشبيه يمكن مقارنته ، وبحق ، بأبي التاريخ الاغريقي . فأثره أوسع بكثير من الاثر الذي خلّفه لنا زميله اليوناني في القرن الخامس ق . م . إلا ان المؤرخ اليوناني أكثر فنا في كتابته للتاريخ وانصع منهجية ، فكلاهما جاش صدره بحب المعرفة ، والدأب الموصول على جمعها وحشدها . كذلك جمع بينهما رحابة صدر واسع واستعداد كلي لتسجيل كل الخوارق والعجائب التي استبدت بخاطرهما ، دون تحيز او تحزب لأي جانب ؛ فالعمل الذي قام به المسعودي هو وضع تاريخ عام شامل للانسانية ، منذ بدء الخليقة حتى عام 947 . فالقلم يعجز عن ذكر ووصف الموضوعات التي عالجها واللحاق بالاستطرادات التي استرسل وراءها ، فكانت للمؤلف لذة وهزة شعورية ، كما كانت للقارئ داعياً للبرم والسأم . وهذا ما حدا بالمؤرخ المشهور فازيلييف لأن يكتب قائلا : « ان كتب المسعودي لمما يقرأه المسلمون والاوروبيون على السواء ، لما فيها من متعة ورواء . ولذا استحق بان يلقب ب « هيرودوتس العرب » ، وهو اللقب الذي اطلقه عليه كريمر [2] .