على هذا اللفظ : نكرم الضيف بسمعي والبصر فقال : طال ليلي عاودني السهر * ثم فكرت وأحسنت النظر جئت أمشي في زوايات الخبا * ثم طوراً في مقاصير الحجر إذ توجه فمر قد لاح لي * آية الرحمن من بين البشر ثم أقبلت إليه مسرعاً * ثم طاطيت فقبلت الأثر فاستقامت فزعاً قائلة * يا أمين الله ما هذا السفر قلت ضيف طارق في داركم * هل تضيفوني إلى وقت السحر ؟ فأجابت بسرور سيدي * نكرم الضيف بسمعي والبصر فقال هارون : يا تارك كنت البارحة تحت السرير تسمع كلامنا اضربوا عنقه ، فحلف ما كان هذا ، وشفعوا فيه ، فقال : ان كنت صادقاً فقل في شيء أنا أبصره في هذه الساعة ، وكانت جارية قبالة الرشيد تضرب شذراً في ظل شذرتين ، لابسة في إحدى كفيها خاتمين ، وهي في مكان لا يراها أبو نواس ولا أحد غير الرشيد من سائر الناس فقال : نظرت عيني لحيني واشتكى * وجدي لبني عند في السدرتين شحنا مثل اللجين تضرب الشذر * بكف وبأخرى خاتمين فقال الرشيد أنت تبصرها يا فاعل اقتلوه ، فحلف ما يبصر شيئاً ، وتشفع فيه فلم يقبل ، فقالت جارية بالقرب من الرشيد لا يبصرها غيره ، ولا إلى سواها يبلغ كلامه بالله يا سيدي خله يروح ، فقال لها الرشيد سراً إليها : ما أخليه حتى تمشي إلي عريانة فخلت ثيابها ومشت حتى جاءته ، فخلاه فلما صار أبو نواس عند الباب قال إي والله يا سيدي : ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً * مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا فقال له يا شيطان ، فخرج هارباً من ذلك بعدما أبدع فيما يقول ، واخترع ما سحر به العقول . قلت وهذا البيت للفرزدق وهو مذكور في موضع آخر من هذا الكتاب في قضية مختصرها أنه اختصم هو وامرأته النوار إلى عبد الله بن الزبير ، ونزل الفرزدق على حمزة بن عبد الله ، ونزلت امرأته على امرأته ، فتشفع كل واحد منهما لنزيله ، فقبل ابن الزبير شفاعة امرأته دون شفاعة ابنه ، فقال الفرزدق : ليس الشفيع إلى أخر البيت المذكور . ومما نحن بصدده مناسباً لما ذكرنا من حب الجواري الغانيات وأشعار أبي نواس الرائقات ما حكى الأصمعي قال : كنت عند الرشيد فأتي بجارية ليبتاعها فأعجبته ، فقال