فمنعت حوزته وكنت وقايةً * من وقع كل مناهل وسنان فقال أحسنت يا معن ، وقال له يوماً يا معن ما أكثر وقوع الناس في قومك ؟ فقال أمير المؤمنين : إن العراقين تلقاها محسدة * ولا ترى للئام الناس حسادا ودخل عليه يوماً قد اسن ، فقال له : لقد كبرت يا معن ، فقال : في طاعتك يا أمير المؤمنين . فقال : إنك المجلد . فقال : على أعدائك يا أمير المؤمنين . فقال : و فيك تقية . فقال : هي لك يا أمير المؤمنين . وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن بن زيد زاهد أهل البصرة ، فقال : ويح هذا ما ترك لربه شيئاً . وحكى الأصمعي قال وفد اعرابي على معن بن زائدة فمدحه وطال مقامه على بابه ولم تحصل له جائزة ، فعزم على الرحيل ، فخرج معن راكباً إليه فقام وأمسك عنان دابته فقال : وما في يديك الخير يا معن كله * وفي الناس معروف وعنك مذاهب ستدرين بنات العم ما قد أتيته * إذا فتشت عند الإياب الحقائب فأمر معن باحضار خمس نوق من كرام إبله وأوقرهن له ميرة وبراً وثياباً ، وقال انصرف يا ابن أخي في حفظ الله إلى بنات عمك فلئن فتشن الحقائب لتجدن فيها ما يسترهن ، فقال : صدقت وبيت الله . ومما يحكى عن معن بن زائدة أنه كان ذات يوم من الأيام جالساً على سرير مملكته ، وحوله الوزراء والأمراء والحرفاء والكتاب والمذاكرون في النوادر والغرائب ، إذ أقبل أعرابي يتخطى الصفوف صفاً صفاً حتى وقف بين يديه ، وقال : أتعرف إذ قميصك جلد كبش * وإذ نعلاك من جلد البعير قال نعم اعرف ذلك . قال : فسبحان الذي أعطاك ملكاً * وعلمك الجلوس على السرير قال ذاك بحمد الله لا بحمدك قال : فلست مسلماً لو عشت دهراً * على معن بتسليم الأمير قال إذن والله لا أبالي بك قال : ولا آتي بلاداً أنت فيها * ولو جار الزمان على الفقير