قال بعض أصحاب التواريخ : و لم يلق أحداً منهم ولا أخذ عنه ، وأصحابه يقولون لقي جماعة من الصحابة وروى عنهم ، قال : و لم يثبت ذلك عند النقاد . وذكر الخطيب في تاريخ بغداد : انه رأى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه كما تقدم ، وأخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان ، وسمع عطاء بن أبي رباح وأبا إسحاق السبيعي ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصواف ومحمد بن المنكدر ونافعاً مولى عبد الله بن عمرو وهشام بن عروة وسماك بن حرب ، روى عنه عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح والقاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم ، وكان عالماً عاملاً زاهداً ورعاً تقياً كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى . ونقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد على أن يوليه القضاء فأبى ، فحلف لتفعلن وحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل ، فقال الربيع بن يونس الحاجب : الا ترى أمير المؤمنين يحلف ؟ فقال أبو حنيفة أمير المؤمنين على كفارة أيمانه قد رمني على كفارة أيماني ، وأبى أن يبلى فأمر به إلى الحبس في الوقت ، والعوام يدعون أنه تولى أياماً ولم يصح هذا من جهة النقل . وقال الربيع رأيت المنصور يكلم أبا حنيفة في أمر القضاء وهو يقول اتق الله ولا تدع في أمانتك إلا من يخاف الله ، والله ما أنا مأمون الرضى ، فكيف أكون مأمون الغضب ؟ ولو اتجه الحكم علي ثم تهددتني أن تغرقني في الفرات أو إلى الحكم لاخترت أن أغرق ، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم ، ولا أصلح لذلك ، فقال له : كذبت أنت تصلح ، فقال قد حكمت لي على نفسك ، فكيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب ؟ . قال الخطيب أيضاً في بعضي الروايات : ان المنصور لما بنى مدينة ونزلها ، ونزل المهدي في الجانب الشرقي وبنى مسجد الرصافة ، أرسل إلى أبي حنيفة فجيء به ، فعرض عليه قضاء الرصافة فأبى ، فقال له : ان لم تفعل ضربتك بالسياط . قال : أو تفعل ؟ نعم ، فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد ، فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر ، فقال الصفار : لي على هذا درهمان وأربعة دوانق ثمن تور صفر . فقال أبو حنيفة : اتق الله وانظر فيما يقول الصفار ، فقال ليس علي شيء ، فقال أبو حنيفة للصفار : ما تقول ؟ فقال : استحلفه لي فقال أبو حنيفة : قل والله الذي لا إله إلا هو ، فجعل يقول ، فلما رآه أبو حنيفة مقداماً على اليمين قطع عليه وأخرج من صرة في كمه درهمين ثقيلتين ، وقال