وروي أنه دخل عليه مسلمة بن عبد الملك وهو مريض فرأى ثوبه وسخاً ، فقال لزوجته فاطمة بنت عبد الملك : اغسلوا ثوب أمير المؤمنين ، فقالت : نفعل إن شاء الله تعالى ، ثم كذلك لم يزل يدخل عليه والثوب على حاله ، فخاصم أخته فقالت له : إنه ليس ثوب غيره ، إذا غسلناه لم يجد ثوباً يلبسه . وروي أن سليمان بن عبد الملك استشار في مرض موته السيد الجليل رجاء بن حيوة فيمن يعهد إليه بأمر الخلافة بعده ، فأشار إليه بعمر بن عبد العزيز ، فقال : كيف يمكن ذلك وأولاد عبد الملك لا يطيعون ؟ فقال : افعل ما آمرك به والأمر يتصلح إن شاء الله تعالى . فقال : ما تأمرني ؟ فقال : اكتب كتاب العهد له واختمه . ففعل ذلك ثم قال له : مر منادياً فليناد بالناس يحضرون عندك ، فإذا حضروا فمرهم فليبايعوا لمن عهدت له فيه ، ففعل ذلك . قال رجاء بن حيوة : فلما انصرفنا من عنده إذا بمركب خلفي فالتفت فإذا بهشام بن عبد الملك ، فقال لي يا رجاء : اعلمني من صاحب العهد فإن أكن أنا هو عرفت ذلك ، وإلا تكلمت قبل أن يفرط الأمر . قال : فأجبته بجواب أطمعته فيه من غير تصريح ، فسكت وانصرف ، ثم التفت : فإذا أنا بعمر بن عبد العزيز . فقال لي : يا رجاء اعلمني لمن كتب هذا العهد فإن لمن لغيري سكت ، وإن يكن لي تكلمت في صرفه عني ما دام في الأمر سعة . قال : فأوهمته مراده فلما توفي سليمان أمرت من عنده يكتم موته ، وقلت مروا منادياً فليناد بالناس ليبايعوا أمير المؤمنين ثانياً على السمع والطاعة لمن في الكتاب ، ففعلوا ذلك ، فلما حضروا وبايعوا قلت أعظم الله أجوركم في أمير المؤمنين ، ثم فتح الكتاب فإذا صاحب العهد عمر بن عبد العزيز ، فوخم لذلك بنو عبد الملك ولم يقدروا يفعلون شيئاً . ثم أخرجت جنازته فخرج بنو عبد الملك ركباناً ، وخرج عمر بن عبد العزيز ماشياً . فلما رجعوا من دفنه أرسل عمر إلى نسائه رسولاً يقول لهن من أرادت منكن الدنيا فلتلحق بأهلها ، فإن عمر قد جاءه أمر يشغله ، قال : فسمعت النوائح يومئذ في بيت عمر بن عبد العزيز وعدله رضي الله عنه وحسن سيرته الحسناء وأوصافه الجميلة قد ملأت الوجود شهرة ، رحمة الله تعالى ورضوانه عليه . وفيها توفي أبو صالح السمان ذكوان صاحب أبي هريرة رحمه الله . وفيها أو في التي قبلها توفي ربعي بن حراش أحد علماء الكوفة وعبادها ، وقيل إنه لم يكذب قط ، قال : قد آلى أن لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار . وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين توفي الحسن بن محمد ابن الحنيفة الهاشمي العلوي ، ورد أنه صنف كتاباً في الأرجاء ثم ندم عليه ، وكان من عقلاء قومه وعلمائهم .