وفي موته المذكور يقول جرير نظمه المشهور : لو كنت أملك و الأقدار غالبة * تأتي رواحاً تبياتاً وتتبكر رددت عن عمر الخيرات مصرعه * بدير سمعان لكن يغلب القدر وجملة عمره أربعون سنة ، وخلافته سنتان وخمسة أشهر كأيام مدة خلافة الصديق ، وكان أبيض جميلاً نحيف الجسم حسن اللحية بجبهته أثر حافي فرس شجه وهو صغير ، وكان يقال له أشج بني أمية ، حفظ القرآن في صغره ، فبعثه أبوه من مصر فتفقه في المدينة حتى قيل إنه بلغ رتبة الاجتهاد . ومن كلامه المنقول عنه أنه قال : ينبغي أن يكون في القاضي خمس خصال : العلم بما يتعلق به ، والحلم عند الخصومة ، والنزهة عند الطمع ، والاحتمال للأئمة ، والاستشارة لذوي العلم . ومناقبه كثيرة شهيرة ، وقد صنف فيها غير واحد من العلماء تصانيف مستقلات مشتملات على كثير من المحاسن الغراب ، وجده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب ، وجدته هي البنية التي سمعها عمر بن الخطاب في الليل تقول لأمها المقالة المشهورة في قصة اللبن ، لما أمرتها أمها أن تخلط الماء في اللبن فقالت لها البنية أما سمعت منادي عمر بالأمس ينهي عن ذلك ؟ فقالت أمها مقالاً معناه أن عمر لا يدري عنك ، فقالت البنية : والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سراً . وعمر رضي الله عنه يسمع كلامهما ، فأعجبه عقل هذه البنية ودينها ، فزوجها من ابنه المذكور . وقال السيد الجليل رجاء بن حيوة بت ليلة عند عمر بن عبد العزيز : فهم السراج أن يطفأ فقمت إليه لأصلحه ، فأقسم علي عمر أن أقعد ، فقام هو وأصلحه ، فقلت له : تقوم أنت يا أمير المؤمنين : فقال : قمت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر . وقال قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو يخطب باثني عشر درهماً ، كانت قباء وعمامة وقميصاً وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة . وروي أنه كان يؤتي بالحلة قبل أن يلي الخلافة بألف درهم ، فيقول ما أحسنها لولا خشونة فيها : ويؤتي بالحلة حين ولي الخلافة بأربعة أو خمسة دراهم ، فيقول : ما أحسنها لولا نعومة فيها فسئل عن ذلك فقال : إن لي نفساً ذواقة تواقة ، كلما ذاقت شيئاً تاقت إلى ما فوقه ، فلم تزل تذوق وتتوق إلى أن ذاقت الخلافة فتاقت إلى ما فوقها ، ولم يكن في الدنيا شيء فوقها فتاقت إلى ما عند الله تعالى في الدار الآخرة ، وذلك لا ينال إلا بترك الدنيا .