فكلموها في أن تمشي معهم إليه ، فأبت وقالت : إن كان أمركم أن تسحبوني فاسحبوني ، فلما رجعوا إليه بغير مطلوبه لبس نعليه ومشى حتى جاءها ، فقال لها : كيف رأيت ما صنعت بابنك ؟ فقالت : يا مسكين أي شيء صنعت ؟ أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك أخرتك ، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أن في ثقيف كذاباً ومبيراً " فأما الكذاب فرأيناه ، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه ، تعني بقولها : رأيناه المختار بن أبي عبيد . والمراد بالمبير المهلك . يقال أباه الله أي أهلكه ويقال أيضاً رجل جائر بائر . قال في الصحاح : البور بضم الباء الموحدة : الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه . قلت ومن هذا قوله تعالى " وكنتم قوماً بوراً " - الفتح : 120 - وقد اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا هو المختار بن أبي عبيد ، والمبير هو الحجاج بن يوسف ، وكان المختار المذكور شديد الكذب ، يزعم أن جبرائيل عليه السلام ينزل عليه كما تقدم ذكر ذلك . وقتل مع ابن الزبير عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي من رؤوس مكة ، لما حج معاوية قدم له ابن صفوان المذكور ألفي شاة وقيل قتل معه بحجر المنجنيق عبد الله بن مطيع بن الأسد العدوي ، وقتل معه أيضاً عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية . وتوفيت أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير بعد مصاب ابنها بيسير ، وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول ، وتلقبت بذات النطاقين ، وسبب ذلك معروف في الحديث ، وهو أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شقت نطاقها نصفين ، فربطت بأحدهما وعاء زاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر رضي الله عنه . وفي السنة المذكورة قوي سلطان عبد الملك بن مروان لقتل ابن الزبير وأنشد لسان حاله : خلا لك الجو فبيضي واصفري وولي الحجاج إمرة الحجاز ، فنقض من الكعبة جهة الحجر ، وأعادها إلى ما كانت عليه من بناء قريش ، فسد بابها الغربي ورفع الشرقي وصيرها على ما هي عليه الآن ، مخرجاً من الحجر ما جاء في الحديث أنه من البيت ، وهو ستة أذرع أو ستة ونصف أو جميعه على اختلاف روايات وردت في الحديث الصحيح .