وكان ضباطهم يلقبون بألقاب غريبة في بابها ولكنها تدل على أن أولئك الجنود كانوا عائشين من إنعامات السلطان وأنهم كأولاده ! فمن ألقابهم شوربجي باشي وعشِّي باشي وسقَّا أغاشي وأوده باشي ، إلى غير ذلك ، وهذه الألقاب كانت عندهم بمثابة العنوانات الخاصة بالرتب العسكرية ، ثم إنهم كانوا يعظمون ويجلون القدور التي كانت تقدم إليهم فيها المأكولات ! فكان الإنكشارية لا يفارقون تلك القدور حتى وقت الحرب ، وكانوا يدافعون عنها دفاع الجنود عن أعلامهم ! حتى كان يعتبر ضياعها في القتال أكبر إهانة تلحق بأصحابها العار والفضيحة ! وكانوا إذا أرادوا إظهار عدم الرضا من بعض أوامر رؤسائهم يقلبون القدور أمام منازلهم ! واستمرت هذه الفئة عوناً للدولة على أعدائها حتى تغيرت أحوالها وازداد طغيانها وانقلبت فوائدها مضرات ، فأبطلها السلطان محمود الثاني بعد أن قتل أغلبهم في يوم 16 يونيو سنة 1826 - 10 ذي القعدة سنة 1241 م . لمقاومتهم إجراءات السلاطين وعصيانهم عليهم ، وتعديهم على حقوقهم المقدسة ) ! انتهى . أقول : هذا النص غني ، حيث يعترف بأسلوبهم القاسي المضاد للإنسانية في تربية جيشهم ، ويعتبره ابتكاراً وإبداعاً . لكنَّ أهم ما فيه أنه يريد إلصاق الإنكشارية بالطريقة البكتاشية أو البكداشية التي ينتمي إليها أغلب القبائل التركية ، وكان مركزها ( أماسية ) ، فزعم أن جد آل عثمان أخذ جنوده وسار بهم أياماً من بلدهم بورصة إلى أماسية في الأناضول ، فتشرفوا بولي الله شيخ الطريقة البكتاشية وباركهم ودعا لهم بالتوفيق للجهاد ، وسماهم الإنكشارية ، فهم يحملون شرعية وسراً دينياً ! وهذا يدلك على تقرب أولاد عثمان إلى ابكتاشية والشيعة الذين كانوا عمدة قبائل تركيا ! ولا ننس أن ذلك كان في حكم السلطان محمد خدابنده الشيعي رحمه الله .