ملك ديار مصر وأولهم المعز أيبك . . . ثم كثرت الوافدية في أيام الملك الظاهر بيبرس وملؤوا مصر والشام ، وخطب للملك بركة بن يوشي بن جنكز خان على منابر مصر والشام والحرمين ! فغصت أرض مصر والشام بطوائف المُغُل وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم ! هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد ملئت قلوبهم رعباً من جنكز خان وبنيه ، وامتزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم ، وكانوا إنما رُبَّوا بدار الإسلام ولقنوا القرآن وعرفوا أحكام الملة المحمدية ، فجمعوا بين الحق والباطل وضموا الجيد إلى الردئ ، وفوضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج ، وناطوا به أمر الأوقاف والأيتام ، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك . واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعادة جنكز خان والاقتداء بحكم الياسة ! نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوايدهم ، والأخذ على يد قويهم وإنصاف الضعيف منه على مقتضى ما في الياسة ! وجعلوا إليه من ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف في أمور الإقطاعات لينفذ ما استقرت عليه أوضاع الديوان وقواعد الحساب ، وكانت من أجلِّ القواعد وأفضلها حتى تَحَكَّمَ القبط في الأموال وخراج الأراضي فشرَّعوا في الديوان ما لم يأذن به الله تعالى ، ليصير لهم ذلك سبيلاً إلى أكل مال الله تعالى بغير حقه ) . وقال المقريزي في السلوك / 264 : ( وكتب السلطان إلى النواب بإكرام الوافدية من التتار والإقامة لهم ما يحتاجون إليه من العليق والغنم وغيره وسيرت إليهم الخلع والإنعامات والسكَّر ونحوه ، وساروا إلى القاهرة فخرج السلطان إلى لقائهم في سادس عشري ذي الحجة ولم يتأخر أحد عن مشاهدتهم ، فتلقاهم وأنزلهم في دور بنت لهم في اللوق ظاهر القاهرة وعمل لهم دعوة عظيمة هناك ، وبعث إليهم الخلع والخيول والأموال ، وأمَّر السلطان أكابرهم ونزل باقيهم في جملة البحرية . وكانوا مائتي فارس بأهاليهم فحسنت حالهم ودخلوا في الإسلام ) !