اعتداله في مؤلفاته ، حتى عده بعض علمائنا شيعياً كصاحبي الأعيان والذريعة . هذا التأثير على مثل ابن الفوطي ، يدلنا على الحالة الثقافية والشعبية في العراق وإيران ، وعلى أن أصول التشيع وكثيراً من مفاهيمه وصلت إلى أنحاء إيران ، وكان لها احترام واسع بين الناس ، واعتقدها كثير منهم . وهناك عامل مهم آخر ، فقد رأى الجميع أن الخلافة العباسية السنية سقطت لفساد حكوماتها ، وأن التشيع لأهل البيت عليهم السلام ظهر كبديل متكامل كفوء ، وقد كان ذلك أمراً يملأ أذهان العوام والمثقفين والسياسيين على السواء . لذلك ينبغي أن نسجل أن موجة التشيع التي أحدثها نصير الدين قدس سرّه كان لها تأثيرٌ خاصٌّ في إيران على مستوى الناس ودخولهم في التشيع ، وعلى مستوى الفكر السياسي ، خاصة أن نصير الدين إيراني يحبه الإيرانيون ويفتخرون به مرجعاً كبيراً وفيلسوفاً نابغاً ، ووزيراً محترماً نافذ الكلمة عند هولاكو وأولاده ، وقد كتب لهم وللمغول كثيراً من مؤلفاته بالفارسية ! وبهذا تعرف كم يفرط في الخطأ أولئك الذين يريدون فصل المسار السياسي وتشكل الدول في إيران بعد انهيار المغول ، عن موجة التشيع التي أحدثها نصير الدين والعلامة الحلي والسلطان محمد خدابنده رحمهم الله . وينبغي الالتفات إلى أن حركة السربداريين نشأت في زمن السلطان بو سعيد وأن حركة الصفويين بدأت بأولاد الشيخ صفي الدين الأردبيلي جد الملوك الصفوية ، وهو معاصر للعلامة الحلي والسلطان خدابنده ، حتى وصلت إلى دولة قوية على يد حفيده السلطان إسماعيل الصفوي .