التقدمة من الطقزات ! وكانت هذه عادته إذا أخذ مدينة صلحاً يخرج إليه أهلها من كل نوع من أنواع المأكول والمشروب والدواب والملابس والتحف تسعة ، يسمون ذلك طقزات والطقز باللغة التركية تسعة ، وهذه عادة ملوك التتار إلى يومنا هذا ! فلما صار ابن مفلح بدمشق شرع يُخذِّل الناس عن القتال ويُثني على تيمور ودينه وحسن اعتقاده ثناء عظيماً ، ويكفّ أهل دمشق عن قتاله فمال معه طائفة من الناس وخالفه طائفة أخرى وأبوا إلا قتاله ، وباتوا ليلة السبت على ذلك وأصبحوا نهار السبت وقد غلب رأي ابن مفلح على من خالفه وعزم على إتمام الصلح ، ونادى في الناس إنه من خالف ذلك قتل وهدر دمه ، فكف الناس عن القتال ! وفي الحال قدم رسول تيمور إلى مدينة دمشق في طلب الطقزات المذكورة فبادر ابن مفلح واستدعى من القضاة والفقهاء والأعيان والتجار حمل ذلك كل واحد بحسب حاله ، فشرعوا في ذلك حتى كمل وساروا به إلى باب النصر ليخرجوا به إلى تيمور فمنعهم نائب قلعة دمشق من ذلك وهددهم بحريق المدينة عليهم إن فعلوا ذلك ! فلم يلتفتوا إلى قوله وقالوا له : أنت احكم على قلعتك ونحن نحكم على بلدنا وتركوا باب النصر وتوجهوا وأخرجوا الطقزات المذكورة من السور ، وتدلى ابن مفلح من السور أيضاً ومعه كثير من أعيان دمشق وغيرهم ، وساروا إلى مخيم تيمور وباتوا به ليلة الأحد وعادوا بكرة الأحد وقد استقر تيمور بجماعة منهم في عدة وظائف ما بين قضاة القضاة والوزير ومستخرج الأموال ونحو ذلك ، معهم فرمان من تيمور لهم وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصة ، فقرئ الفرمان المذكور على منبر جامع بني أمية بدمشق وفتح من أبواب دمشق باب الصغير فقط ، وقدم أمير من أمراء تيمور جلس فيه ليحفظ البلد ممن يغبر إليها من عساكر تيمور ، فمشى ذلك على الشاميين وفرحوا به ، وأكثر ابن مفلح ومن كان توجه معه من أعيان دمشق الثناء على تيمور وبث محاسنه وفضائله ودعا العامة لطاعته وموالاته وحثهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرر لتيمور عليهم وهو ألف