والصحيح أن الإسكندرية فتحت صلحاً بلا قتال ، وأن عَمْراً ادعى بعد خمس سنين أن أهلها نقضوا الصلح ، فغزاهم وسبى منهم ، فكذبه الخليفة عثمان ، وأمره برد السبي والأموال التي أخذها ، وقالوا إنه عزله بسبب ذلك ، كما بينا في ترجمة عمرو ! إن أي عاقل يقرأ هذه الحقائق ، لا يمكنه أن يقبل ما ادعاه عمرو بن العاص ورواة السلطة ، من معارك مخترعة ، وبطولات مكذوبة ، في فتح مصر ! وإني لأعجب لبعض الباحثين ، كيف يمتهن عقله ، فيسرد تلك المعارك والبطولات على أنها أحداث وقعت في فتح مصر ، مع القبط أو الروم ! ومن هذه المعارك المزعومة مع الروم قولهم : « وكان بالإسكندرية فيما أحصي من الحمامات اثنا عشر ألف ديماس ( حمَّام ) أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس ، كل مجلس منها يسع جماعة نفر ، وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال ، فلحق بأرض الروم أهل القوة وركبوا السفن ، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار ، فحمل فيها ثلاثون ألفاً مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل ، وبقي من بقي الأسارى ممن بلغ الخراج ، فأحصي يومئذ ست مائة ألف سوى النساء والصبيان ، فاختلف الناس على عمرو في قسمها ، وكان أكثر الناس يريدون قسمها ، فقال عمرو : لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب إليه كتاباً يعلمه بفتحها وشأنها ، ويعلمه أن المسلمين طلبوا قَسْمها . فكتب إليه عمر : لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئاً للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم . فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج ، فكانت مصر صلحاً كلها بفريضة دينارين دينارين على كل رجل ، لا يزاد على أحد منهم في جزية رأسه أكثر من