أهل فارس : أي شئ تريد أن تصنع ؟ فقال : أريد اللحاق بخاقان فأكون معه أو بالصين . فقالوا له : مهلاً فإن هذا رأى سوء ، إنك إنما تأتي قوماً في مملكتهم وتدع أرضك وقومك ، ولكن ارجع بنا إلى هؤلاء القوم فنصالحهم فإنهم أوفياء وأهل دين وهم يلون بلادنا ، وإن عدواً يلينا في بلادنا أحب إلينا مملكة عدو يلينا في بلاده ، ولا دين لهم ولا ندري ما وفاؤهم ! فأبى عليهم وأبو عليه فقالوا : فدع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يليها ولا نخرجها من بلادنا إلى غيرها ، فأبى فقالوا : فإنا لا ندعك ! فاعتزلوا وتركوه في حاشيته ، فاقتتلوا فهزموه وأخذوا الخزائن واستولوا عليها ونكبوه ، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر فاعترضهم المسلمون ، والمشركون بمرو يصافّونه فقاتلوه وأصابوه في آخر القوم ، وأعجلوه عن الأثقال ومضى موائلاً حتى قطع النهر إلى فرغانة والترك ، فلم يزل مقيماً زمان عمر كله يكاتبهم ويكاتبونه . . وأقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه وعاقدوه ، ودفعوا إليه تلك الخزائن والأموال ، وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة ، فكانوا كأنما هم في ملكهم إلا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم ، فاغتبطوا وغبطوا . وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية . . . وأقبل الأحنف حتى نزل بلخ ، ونزل أهل الكوفة في كورها الأربع ، ثم رجع إلى مرو الروذ فنزل بها ، وكتب بفتح خاقان ويزدجرد إلى عمر ، وبعث إليه بالأخماس ، ووفَّد إليه الوفود . . .