على ذلك والغريب أن ابن المعتز لا يذكر أستاذه بشئ في تواليفه ، حتى في طبقات الشعراء ، في حين أنه ذكر فيها شعراء أقل منه شأنا . وبدأ مجد أحمد بن يحيى بالزوال ، ونجمه بالأفول منذ توفى المعتز . فانعزل وجفا القصور . وكان عهد المعتمد أشد عهود حياته سوءا وحاجة وفقرا . قضاه في صراع عنيف وضيق ، فقد نفد مال المستعين وأدركته الحاجة وركبته الديون ، فلجأ أول ما لجأ ، إلى عبيد الله بن يحيى . وكان عبيد الله وزيرا للمعتمد سنة 256 ه ، فسأله العطاء . ويحدثنا عن ذلك فيقول : " كانت بيني وبين عبيد الله بن يحيى بن خاقان حرمة منذ أيام المتوكل وما كنت أكلفه حاجة لاستغنائي عنه . فنالتني في أيام المعتمد على الله إضاقة ، فدخلت إليه وهو جالس للمظالم . فشكوت إليه تأخر رزقي وثقل ديني وقلت : إن عيبا على الوزير أعزه الله حاجة مثلي في أيامه وغض طرفه عنى . . " فوقع لي ببعض ما أردت . [1] ولكن عبيد الله حجبه إذ جاء إلى بابه في مرة ثانية [2] . ثم لجأ صاحبنا إلى إسماعيل بن بلبل ، أبى الصقر . وكان تولى الوزارة للمعتمد بعد عبيد الله سنة 265 ه ، وبقى إلى سنة 277 ه . فمدحه رغبة أن يطلق له بعض المال . وكتب إليه كتابا حسنا ، فوعده ولم يفعل . فهجاه ونعته باللئيم ، وسمى من يلجأ إليه بالذليل [3] . حتى إذا ما مضى أبو الصقر عن الوزارة ، وتولاها أحمد ابن صالح شيرزاد سنة 277 ، عاد فلجأ إليه . فتشاغل عنه . فهم أن يهجوه ، فخاف وقضى حاجته [4] .
[1] ياقوت ، معجم الأدباء 5 : 95 . [2] المصدر السابق 5 : 95 . [3] ياقوت ، نقلا عن الصولي 5 ، 101 102 . [4] المصدر السابق 5 : 96 .