يفثأ الغضب » [1] والرثيئة اللبن الحامض يصبّ عليه الحليب ، وهو أطيب اللبن . كان المنصور ولَّى سلم بن قتيبة البصرة وولى مولى له كور البصرة والأبلَّة [2] ، فورد كتاب مولاه أنّ سلما ضربه بالسّياط ، فاستشاط المنصور وقال : عليّ تجرّأ سلم ! لأجعلنّه نكالا ، فقال ابن عيّاش - وكان جريئا عليه - : يا أمير المؤمنين ، إن سلما لم يضرب مولاك بقوّته ولا قوّة أبيه ، ولكنك قلَّدته سيفك وأصعدته منبرك ، فأراد مولاك أن يطأطئ منه ما رفعت ويفسد ما صنعت ، فلم يحتمل ذلك . يا أمير المؤمنين ، إنّ غضب العربيّ في رأسه ، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد ، وإن غضب النّبطي في استه ، فإذا غضب وخرئ [3] ذهب غضبه ، فضحك أبو جعفر وقال : فعل اللَّه بك يا منتوف وفعل ، فكفّ عن سلم . كان يقال : إياك وعزّة الغضب فإنها مصيّرتك إلى ذلّ الاعتذار . قال بعض الشعراء : [ بسيط ] < شعر > الناس بعدك قد خفّت حلومهم * كأنما نفخت فيها الأعاصير < / شعر > أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش قال : كنت مع رجل فوقع في إبراهيم . فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت : واللَّه لهممت به ، فقال : لعلّ الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئا .
[1] فثا الرجل الغضب : كسر حدّته وسكّنه بقول أو غيره . ولقد ورد هذا المثل في لسان العرب مادة ( فثأ ) وفي مجمع الأمثال للميداني هكذا : « إن الرثيئة تفثأ الغضب » . ومعنى المثل : إن الهدية ولو كانت يسيرة تستجلب الرضى . وهو مثل يضرب في اليسير من البرّ . وأصله أن رجلا كان غضب على قوم ، وكان ، مع غضبه ، جائعا فسقوه رثيئة ، فسكن غضبه وكفّ عنهم . [2] الأبلَّة : بلدة قديمة على أربعة فراسخ من البصرة وقد تقدمت ترجمتها . [3] خريء يخرأ : تغوّط وسلح فهو خارئ .