قال الوضّاح بن حبيب : كنا إذا خرجنا - يعني أصحابه - من عند المنصور صرنا إلى المهديّ وهو يومئذ ولي عهده ففعلنا ذلك يوما فأبرز إليّ يده ، ولم يكن ذلك من عادته ، فأكببت عليها فقبّلتها وضرب بيدي إلى يده ، ثم علمت أنه لم يفعل ذلك إلا لشيء في يده ، فوضع في يدي كتابا صغيرا تستره الكفّ ، فلما خرجت فتحته فإذا فيه : يا وضّاح ، إذا قرأت كتابي فاستأذن إلى ضياعك بالرّيّ ، فرجعت فقلت للربيع : استأذن لي . فدخل فاستأذن ، فأذن لي ، فدخلت فقلت : يا أمير المؤمنين ، ضياعي بالري قد اختلَّت وبي حاجة إلى مطالعتها فقال : لا ، ولا كرامة ، فخرجت . ثم عدت إليه اليوم الثاني والقوم معي فدخلنا فاستأذنته ، فردّ إليّ مثل الجواب الأوّل . فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما أريد إصلاحها إلَّا لأقوى بها على خدمتك . فسرّي عنه ، ثم قال : إذا شئت فودّع . فقلت : يا أمير المؤمنين ، ولي حاجة أذكرها . قال : قل . قلت : أحتاج إلى خلوة . فنهض القوم وبقي الربيع قلت : أخلني . قال : ومن الربيع وبينكما ما بينكما ! قلت : نعم . فتنحّى الربيع ، فقال : قد خلوت فقل إن جدت لي بمالك ودمك . فقلت : يا أمير المؤمنين ، وهل أنا ومالي إلا من نعمتك ، حقنت دمي ودم أبي ورددت عليّ مالي وآثرتني بصحبتك . قال : إنه يهجس في نفسي أنّ جهورا [1] على خلع وليس على غيرك لما أعرفه بينكما ، فأظهر إذا صرت إليه الوقيعة فيّ والتنقّص لي حتى تعرف ما عنده ، وإن رأيته يهمّ بخلع فاكتب إليّ ، ولا تكتبنّ على يد بريد ولا مع رسول ولا يفوتني خبرك في كل يوم فقد نصبت لك فلانا القطَّان في دار القطن فهو يوصل كتبك في كل يوم إليّ . قال : فمضيت حتى أتيت الريّ فدخلت على جهور فقال : أفلتّ ؟ فقلت : نعم والحمد للَّه . ثم أقبلت أؤانسه بالوقيعة فيه حتى أظهر ما