ثم احتلب تسع أينق [1] فشرب ألبانهن ثم نحر حوارا [2] فطبخه ثم ألقى عظامه بيضا وحثا كومة من بطحاء وتوسّدها وغطَّ غطيط البكر ، فقلت : هذه واللَّه الغنيمة . ثم قمت إلى فحل إبله [3] فخطمته ثم قرنته إلى بعيري وصحت به فأتبعني الفحل وأتبعته الإبل إربابا به ، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود ، فمضيت أبادر ثنيّة بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع ، فلم أزل أضرب بعيري بيدي مرّة وأقرعه برجلي أخرى حتى طلع الفجر ، فأبصرت الثنيّة فإذا عليها سواد فلما دنوت إذا أنا بالشيخ قاعدا وقوسه في حجره فقال : أضيفنا ؟ قلت : نعم . قال : أتسخوا نفسك عن هذه الإبل . قلت : لا . فأخرج سهما كأن نصله لسان كلب ثم قال : أبصر بين أذنيّ الضّبّ ، ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه ، ثم قال : ما تقول ؟ قلت : أنا على رأيي الأوّل . قال : أنظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى . ثم رمى به فكأنما قدّره بيده ثم وضعه بإصبعه ، ثم قال : أ رأيت ؟ قلت : إني أحب أن أستثبت . قال : أنظر هذا السهم الثالث في عكوة [4] ذنبه والرابع والله في بطنك . ثم رماه فلم يخطئ العكوة ، فقلت : أنزل آمنا ؟ قال : نعم . فنزلت فدفعت إليه خطام فحله وقلت : هذه إبلك لم يذهب منها وبرة وأنا أنتظر متى يرميني بسهم ينتظم به قلبي ، فلما تنحّيت قال لي : أقبل . فأقبلت ، واللَّه ، خوفا من شرّه لا طمعا في خيره ، فقال : أي هذا ، ما أحسبك جشمت [5] الليلة ما جشمت إلا من حاجة . قلت : أجل . قال : فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيّتك ، قلت : أما واللَّه حتى أخبرك عن
[1] الأينق : ج ناقة ، وهي الأنثى من الإبل . [2] الحوار : ولد الناقة الذي يفصل عن أمّة ، والجمع أحورة وحوران . [3] خطم الفحل : وضع الخطام على أنفه . [4] عكوة الذّنب : أصله . [5] جشم الأمر : تكلَّفه على مشقّة .