وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات [1] وفي شنّ الغارات . ولا تغلَّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهاد عن عرض الدنيا وابشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم . استشار قوم أكثم [2] بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال : أقلَّوا الخلاف على أمرائكم ، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة . تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين [3] ، وربّت عجلة تعقب ريثا [4] ، واتّزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل ، ولا جماعة لمن اختلف عليه . وقال بعض الحكماء : قد جمع اللَّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وأَطِيعُوا ) *
[1] حمّة النّهضات : شدتها ومعظمها . والنهضات ج نهضة ، وهي الحركة في المعترك ؛ يقال : كان منه نهضة أي حركة ، وهو كثير النهضات : كثير الحركة . [2] أكثم بن صيفيّ التميمي حاكم العرب في الجاهلية . عمّر كثيرا وأدرك الإسلام . قصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام ، فمات في الطريق سنة 9 ه ولم ير النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأسلم من بلغ المدينة من أصحابه . وهو المعني بالآية الكريمة : ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِه مُهاجِراً إِلَى اللَّه ورَسُولِه ثُمَّ يُدْرِكْه الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُه عَلَى اللَّه سورة النساء 4 ، آية 100 . الأعلام ج 2 ص 6 . والحقيقة هي غير ما ذهب إليه الزّركلي في أن هذه الآية الكريمة معنية بأكثم بن صيفي ، فسبب نزولها هو أن جندب بن ضمره كان قد أسلم في مكة ، وعجز عن الهجرة إلى المدينة لمرض شديد ، ولما سمع بآية الهجرة قال لأولاده : إحملوني إلى رسول اللَّه ، فحملوه حتى بلغ مكانا في الطريق يقال له التنعيم ، أشرف على الموت ، فصفق بيمينه على شماله وقال : اللهم هذه لك ، وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسول اللَّه ، ولفظ النفس الأخير . أنظر التفسير المبين ، وتفسير الجلالين . [3] الرّكين : الرزين . [4] الرّيث : الإبطاء .