قال ذو الرّمة [1] لعيسى بن عمر : « اكتب شعري فالكتاب أعجب إليّ من الحفظ إنّ الأعرابيّ لينسى الكلمة قد سهرت في طلبها ليلة فيضع موضعها كلمة في وزنها لا تساويها ، والكتاب لا ينسى ولا يبدّل كلاما بكلام » .
وقد أطنب السلف في مدح الكتابة والحث عليها فلم يتركوا شأوا لمادح حتّى قال سعيد بن العاص [2] : « من لم يكتب فيمينه يسرى » . وقال معن بن زائدة [3] : « إذا لم تكتب اليد فهي رجل » . وبالغ مكحول [4] فقال : « لا دية ليد لا تكتب » . قال الجاحظ : ولو لم يكن من فضل الكتابة إلا أنه لا يسجّل نبيّ سجلَّا ولا خليفة مرضيّ ولا يقرأ كتاب على منبر من منابر الدنيا إلا إذا استفتح بذكر اللَّه تعالى وذكر رسوله صلى اللَّه عليه وسلَّم وذكر الخليفة ثم يذكر الكتاب كما هو مشهور في السجلات التي سجلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم لأهل نجران وغيرهم وأكثرها بخط أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه في شرفه ونبله وسابقته ونجدته .
ومن ثم قال المؤيد [5] : « الكتابة أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة ؛

[1] شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره . اكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال . توفي سنة 117 ه . ( طبقات الشعراء 265 والأعلام 5 / 124 ) .
[2] من الصحابة . وجاء في تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي : هو أبو عثمان وقيل أبو عبد الرحمن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس . وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان ، واستعمله عثمان على الكوفة ( 1 / 218 ) .
[3] هو معن بن زائدة الشيباني ؛ ولاه المنصور على بلاد سجستان ، وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد كتب إلى المغيرة بن شعبة بأن يلقي القبض عليه لأنه انتقش على خاتم الخلافة فأصاب به مالا من خراج الكوفة . ( فتوح البلدان 564 - 647 - 648 ) .
[4] فقيه تابعي هو أبو عبد اللَّه ، مكحول بن زيد قيل كان مولى لامرأة من هذيل ، وقيل كان مولى لسعيد بن العاصي وكان يسكن دمشق وتوفي فيها سنة 118 ه . ( تهذيب الأسماء واللغات 2 / 13 ) .
[5] هو إسماعيل بن علي بن محمود ، الملك المؤيد ، صاحب حماه ، ويعرف بأبي الفداء : مؤرخ ، جغرافي ، قرأ التاريخ والأدب وأصول الدين والفلسفة والطب . توفي سنة 732 ه . ( الأعلام 1 / 319 وفوات الوفيات 1 / 183 ) .

65