نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 64
والإقسام لا يقع منه سبحانه إلا بشريف ما أبدع ، وكريم ما اخترع : كالشمس والقمر والنجوم ونحوها إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرفها ورفعة قدرها . ثم كان نتيجة تفضيلها ، وأثرة تعظيمها وتبجيلها ، أن الشارع ندب إلى مقصدها الأسنى ، وحثّ على مطلبها الأغنى ، فقال صلى اللَّه عليه وسلَّم : قيّدوا العلم بالكتاب ، مشيرا إلى الغرض المطلوب منها ، وغايتها المجتناة من ثمرتها ؛ وذلك أن كل ذي صنعة لا بدّ له في معاناتها من مادّة جسمية تظهر فيها الصورة ، وآلة تؤدّي إلى تصويرها ، وغرض ينقطع الفعل عنده ، وغاية تستثمر من صنعته . والكتابة إحدى الصنائع فلا بدّ فيها من الأمور الأربعة . فمادّتها ، الألفاظ التي تخيّلها الكاتب في أوهامه ، وتصوّر من ضم بعضها إلى بعض صورة باطنة في نفسه بالقوة ؛ والخطَّ الذي يخطه القلم ، ويقيد به تلك الصّور ، وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة صورة محسوسة ظاهرة . وآلتها القلم . وغرضها الذي ينقطع الفعل عنده تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية ، فتكمل قوّة النطق وتحصل فائدة للأبعد كما تحصل للأقرب ، وتحفظ صوره ، ويؤمن عليه من التغير والتبدّل والضّياع . وغايتها الشيء المستثمر منها ، وهي انتظام جمهور المعاون [1] والمرافق العظيمة ، العائدة في أحوال الخاصة والعامّة بالفائدة الجسيمة في أمور الدين والدنيا . ولما كان التقييد بالكتابة هو المطلوب ، وقع الحضّ من الشارع عليه ، والحث على الاعتناء به تنبيها على أن الكتابة من تمام الكمال ، من حيث إن العمر قصير والوقائع متسعة ؛ وماذا عسى أن يحفظه الإنسان بقلبه أو يحصّله في ذهنه .