نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 271
تقفية والمشاكلة في الفواصل وان الخطب يشافه بها بخلاف الرسالة ، والرسالة تجعل خطبة ، والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة . وحينئذ فإذا أراد الكاتب نقل الخطبة إلى الرسالة أمكنه ذلك ، فإذا أكثر صاحب هذه الصناعة من حفظ الخطب البليغة ، وعلم مقاصد الخطابة وموارد الفصاحة ومواقع البلاغة ، وعرف مصاقع الخطباء ومشاهيرهم ، اتسع له المجال في الكلام وسهلت عليه مستوعرات النثر ، وذلَّلت له صعاب المعاني ، وفاض على لسانه في وقت الحاجة ما كمن في ذلك بين ضلوعه فأودعه في نثره وضمنه في رسائله ، فاستغنى عن شغل الفكر في استنباط المعاني البديعة ، ومشقّة التعب في تتّبع الألفاظ الفصيحة ، التي لا تنهض فكرته بمثلها ولو جهد ، ولا يسمح خاطره بنظيرها ولو دأب . إن الخطب جزء من أجزاء الكتابة ، ونوع من أنواعها ، يحتاج الكتّاب إليها في صدور بعض المكاتبات ، وفي البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض وكبار التواقيع والمراسيم ، والمناشير ؛ على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى ؛ وما لعله ينشئه من خطبة صداق أو رسالة أو نحو ذلك . وكذلك يعرف مصاقع الخطباء ، ومشاهير الفصحاء ، والبلغاء ، كقسّ بن ساعدة الإياديّ الذي تقدّمت خطبته آنفا في صدر الخطب . وسحبان الوائليّ : وهو رجل من بني وائل ، لسن بليغ يضرب به المثل في البيان ، وغيرهما ممن يضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة ؛ ومن ينسب إلى العيّ والغباوة كباقل : وهو رجل من العرب اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فقيل له بكم اشتريته ففتح كفيه وفرّق أصابعه العشرة وأخرج لسانه ؛ يشير بذلك إلى أحد عشر ولم يحسن التعبير عنها ، فانفلت الظبي فضرب به المثل في العيّ . فإذا عرف البليغ وغير البليغ ، وعالي الرتبة وسافلها ، وعرّض حينئذ بذكر من أراد منهم مقايسا للفاضل بمثله ، وللغبيّ بنظيره : كما قال القاضي الفاضل [1] في بعض رسائله ، في
[1] عبد الرحيم بن علي المعروف بالقاضي الفاضل : وزير من أئمة الكتاب . ولد في فلسطين وانتقل إلى القاهرة . كان من وزراء صلاح الدين ومقربيه . قيل فيه : كانت الدولة بأسرها تأتي إلى خدمته . وقال صلاح الدين : لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل . ( الأعلام 3 / 346 ) .
271
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 271