نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 254
تقفية ، وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل ، فألفاظ الخطب تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة ، وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل » . قال : « والفرق بينهما أن الخطبة يشافه بها بخلاف الرسالة ، والرسالة » تجعل خطبة والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة » . واعلم أنه كان للعرب بالخطب والنثر غاية الاعتناء حتى قال صاحب « الريحان والريعان » : إن ما تكلمت به العرب من أهل المدر والوبر ، من جيد المنثور ومزدوج الكلام ، أكثر مما تكلمت به من الموزون إلا أنه لم يحفظ من المنثور عشره ، ولا ضاع من الموزون عشره ؛ لأن الخطيب إنما كان يخطب في المقام الذي يقوم فيه في مشافهة الملوك ، أو الحالات ، أو الإصلاح بين العشائر ، أو خطبة النكاح ؛ فإذا انقضى المقام حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه . بخلاف الشعر فإنه لا يضيع منه بيت واحد . قال : « ولو لا أن خطبة قس ابن ساعدة كان سندها مما يتنافسه الأنام ، وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلَّم هو الذي رواها عنه فأطار ذكرها ، ما تميزت عما سواها » . قلت : وليس ما أشار إليه لرفض النثر عندهم وقلة اعتنائهم به ، بل لسهولة حفظ الشعر وشيوعه في حاضرهم وباديهم ، وخاصهم وعامهم ؛ بخلاف الخطابة فإنه لم يتعاطها منهم إلا القليل النادر من الفصحاء المصاقع : فلذلك عز حفظها ، وقل عنهم نقلها . وقد كانت تقوم بها في الجاهلية سادات العرب ، ورؤساؤهم ممن فاز بقدح القصل [1] وسبق إلى ذرى المجد ، ويخصون ذلك بالمواقف الكرام ، والمشاهد العظام ، والمجالس الكريمة ، والمجامع الحفيلة فيقوم الخطيب في قومه فيحمد اللَّه ويثني عليه ، ثم يذكر ما سنح له من مطابق قصده وموافق طلبه : من وعظ يذكر أو فخر أو إصلاح أو نكاح ، أو غير ذلك مما يقتضيه المقام .
[1] أي فمن له السبق في الفصاحة . ويقال : لسان مقصل أي ماض . ( اللسان 11 / 558 ) .
254
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 254