نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 151
قلت : وقد بطل الآن ما كان من أمر الألواح وتركت ، وصار كل بريديّ عنده شرّابة حرير صفراء يجعلها في عنقه من غير لوح . اللهم إلا أن يتوجه البريديّ إلى مملكة من الممالك النائية ، فيحتاج إلى اللوح لتعارف أمر المملكة القديمة . وكذلك الحكم فيمن يتوجه إلى الأبواب السلطانية من نيابة من نيابات المملكة في ورقة الطريق وخيل البريد . ولصاحب ديوان الإنشاء التنبّه على مصالح مراكز خيل البريد في الديار المصرية وغيرها . وسيأتي الكلام على مراكز البريد بمصر والشام ، مفصلة في موضعها إن شاء اللَّه تعالى . وأعلم أنه يجب على الناظر في أمر البريد : من الملك فمن دونه أن يحتاط فيمن يرسله في الأمور السلطانية ، فيوجه في كل قضية من يقوم بكفايتها وينهض بأعبائها ، ويختصّ الملوك وأكابر النّوّاب بأكابر البريدية وعقلائهم وأصحاب التّجارب منهم ، خصوصا في المهمات العظيمة التي يحتاج الرسول فيها إلى تنميق الكلام ، وتحسين العبارة ، وسماع شبهة المرسل إليه ، وردّ [1] جوابه وإقامة الحجة عليه ، فإنه يقال : يستدلّ على عقل الرجل بكتابه وبرسوله . وقد قيل : من الحق على رسول الملك أن يكون صحيح الفكرة والمزاج ، ذا بيان وعارضة ولين واستحكام منعة ؛ وأن يكون بصيرا بمخارج الكلام وأجوبته ، ومؤدّيا للألفاظ عن الملك بمعانيها ، صدوقا بريئا من الطمع . وعلى مرسله امتحانه قبل توجيهه في مقاصده ؛ ولا يرسل إلى الملوك الأجانب ، إلا من اختبره بتكرير الرسائل إلى نوّابه وأهل مملكته . فقد كان الملوك فيما سلف من الزمن إذا آثروا إرسال شخص لمهمّ ، قدّموا امتحانه بإرساله إلى بعض خواص الملك ممن في قرار داره ، في شيء من مهمّاته ، ثم يجعل عليه عينا فيما يرسل به من حيث لا يشعر ، فإذا أدّى الرسول رسالته رجع بجوابها وسأل الملك عينه ؛ فإن طابق ما قاله الرسول ما أتى به من هو