نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 101
بهيّ الملبس . وبالجملة ففصاحة اللسان ، وقوة البيان ، والتقدّم في صناعة الكتابة هو الذي يرفع الرجل ويعظَّمه دون أثوابه البهية ، وهيئته الزاهية . بل ربما كان التعظيم في الفضل لرثّ الحالة المنحط الجانب أكثر ، وترجيحه على غيره أقرب . وقد قال سهل بن هرون كاتب المأمون ، وهو من أئمة هذه الصناعة : « لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجّا أو وصفا وكان أحدهما جميلا بهيّا ، ولبّاسا نبيلا ، وذا حسب شريف ؛ وكان الآخر قليلا قميئا ، وباذّ [1] الهيئة دميما ، وخامل الذكر مجهولا ، ثم كان كلامهما في مقدار واحد من البلاغة ، وفي درب واحد من الصواب ، لتصدّع عنهما الجمع وعامّتهم يقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم ، وللباذّ الهيئة على ذي الهيئة ، ويشغلهم التعجّب منه عن مناوأة صاحبه ، ولصار التعجب على مساواته له سببا للتعجب به ، والإكثار في شأنه علة للإكثار في مدحه ؛ لأن النفوس كانت له أحقر ، ومن بيانه أيأس ، ومن حسده أبعد ؛ فلما ظهر منه خلاف ما قدّروه وتضاعف حسن كلامه في صدورهم كبر في عيونهم : لأن الشيء من غير معدنه أغرب ؛ وكلما كان أبعد في الوهم كان أظرف ؛ وكلما كان أظرف كان أعجب ؛ وكلما كان أعجب كان أبدع ؛ وإنما ذلك كنوادر الصّبيان وملح المجانين ؛ فإنّ استغراب السامعين لذلك أعجب ، وتعجّبهم منه أكثر » . قال : « والناس موكَّلون بتعظيم الغريب واستظراف البديع ، وليس لهم في الموجود الراهن ولا فيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ ؛ وعلى هذا السبيل يستظرفون القادم إليهم ، ويرحلون إلى النازح عنهم ، ويتركون من هو أعمّ نفعا ، وأكثر في وجوه العلم تصرفا ، وأخف مؤونة وأكثر فائدة » .
[1] أي رثاثة الهيئة وسوء الحال . ( البستان 1 / 119 ) .
101
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 101