مثلاً ، يكتبها أحدهم خلال أيام ، ولا يبذل فيها جهداً عقليّاً ولا فكرياً كبيراً ، وبين تحقيق قد يستغرق العمل لإنجازه الأشهر والسنوات ، وتحتاج كل صفحة أو فقرة منه إلى ساعات طويلة تبذل في التقصي والتنقيب ، للعثور على النص المطلوب وضبطه ، وإثرائه بالمصادر ، بالإضافة إلى ما يحتاجه من تحليل ومقارنة ، وغير ذلك ممّا يعرفه خصوص الذين يعانون مشاق البحث ، ويتحملون متاعبه .
فالناشر المحترم يرى : أنّ تلك الرواية هي خمسمئة صفحة وتدرّ عليه هذا الرقم من المال ، وذلك الكتاب أيضاً خمسمئة صفحة ويدرّ عليه نفس هذا الرقم أيضاً .
وإذن . . فلماذا لا يظهر نفرته وتبرّمه من كثافة المصادر ، وما تسبب له من جهد إضافي لا بدّ منه لترصيفها ، وتأليفها على النحو المطلوب .
وإنّ ممّا يؤسف له أكثر هو أنّنا نجد : أنّ هذه الروح التجارية لا تختص بالناشرين ، حيث نجد بين المؤلفين أيضاً بعض من يولي المال والحصول عليه عناية خاصة ومتميزة ، ويرى في التأليف حرفة وأسلوباً للحصول على المال ، ولا ينظر إليه على أنّه قيام بواجب ، أو استجابة لنداء الوجدان والضمير .
ولا يجب أن ننسى هنا : أنّ ما يعطيه الناشر للمؤلف ويمنّ عليه به لا يكفي هدايا لأصدقائه بل لا يكفي ثمناً لإخراج الكتاب المبيضة فضلاً عن أن يكفي لأن تشيد به القصور ، وتشترى به الدور ، مع أنّ من اللازم هو تشجيع المؤلفين الذين يعملون على نشر المعرفة وإثراء الفكر ، ولا أقل من أن لا يعامل معاملة تجعله يفقد حماسه وحيويته .

87