فهذه الروايات ، وإن لم تدوّن بهدف أن تكون تاريخاً ، ولكنّها أصبحت مصدراً يعتمد عليه في تسجيل الحوادث التاريخيّة ، وهي نفسها قد استفيد منها في الفقه ، ثمّ في علم الرجال ، وفي التفسير ، وفي العقائد ، وفي مختلف المعارف والعلوم الإسلاميّة .
ولعلّ أول وأشهر من دوّن سيرة النبيّ الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم ، وكانت سيرة متكاملة نسبيّاً هو محمد بن إسحاق ، الذي عاش حياته العلميّة في النصف الأول من القرن الثاني .
ولكن ما يؤسف له هو أنّه لم يصل إلينا سوى ما لخصه وانتقاه ابن هشام ، الذي اختار ما كان موافقاً لميوله وأهدافه ، وانسجم مع سليقته ، بالإضافة إلى قطعة صغيرة نشرت مؤخراً .
أضف إلى ذلك أنّ كثيراً من الروايات قد نسجت ، أو صيغت في وقت متأخر ، وفق الأهواء والاتجاهات السياسيّة والمذهبية ، وغير ذلك من دوافع ، كانت لدى الذين دونوها أو صاغوها ، وحدّثوا بها لأجل التدوين ، أو لغير ذلك .
وحتى تلك الروايات التي تعمّدت نقل الوقائع بدقة وأمانة ، فإنّها في دقتها وفي التوجّه لجوانب الحدث ، كانت خاضعة لمستوى إدراك الناقلين ، ولتوجهاتهم ، ونوع اهتماماتهم ، فتجد هذا يركز على هذه الناحية من الحدث ، ويبرز من خفاياها ودقائقها ما يتلاءم مع مستوى إدراكه ، ونوع ثقافته وغير ذلك ، وذاك يركز على ناحية أخرى فيه وهكذا .

185