نام کتاب : حياة الحيوان الكبرى نویسنده : كمال الدين دميري جلد : 1 صفحه : 24
ما من علم ، إلا وقد أحدث فيه اصطلاحات ، لأجل التفهيم ، كالحديث والتفسير ، وتصنيف الفقه ، من موضع الصور النادرة التي لا تتفق ، إلا على الندور إما إدخارا ليوم وقوعها . وإن كان نادرا أو تشحيذا للخاطر فنحن أيضا نرتب طريق المحاجة لتوقع الحاجة بثوران شبهة ، أو هيجان مبتدع ، أو لتشحيذ الخاطر ، أو لإدخار الحجة ، حتى لا يعجز عنها عند الحاجة إليها على البديهة والارتجال ، كمن يعد السلاح قبل القتال ليوم القتال . قال : فإن قلت فما المختار فيه عندك ؟ فاعلم أن الحق فيه : أن إطلاق القول بذمه في كل حال ، أو بمدحه في كل حال خطأ ، بل لا بد فيه من التفصيل : فاعلم أوّلا أن الشيء قد يحرم لذاته ، كالخمر والميتة وأعني بقولي لذاته أن علة تحريمه وصف في ذاته وهو الإسكار والموت ، وهذا إذا سئلنا عنه ، أطلقنا القول بأنه حرام ، ولا يلتفت إلى إباحة الميتة عند الاضطرار وإباحة تجرع الخمر لإساغة ما يغص به الإنسان من الطعام ، إذا لم يجد ما يسيغه به سوى الخمر وقد يحرم لغيره كالبيع على بيع أخيك المسلم ، في وقت الخيار ، والبيع وقت النداء ، وكآكل الطين ، فإنه يحرم لما فيه من الأضرار . وهذا ينقسم إلى ما يضر قليله وكثيره ، فيطلق القول عليه بأنه حرام كالسم الذي يقتل قليله وكثيره ، وإلى ما يضر عند الكثرة ، فيطلق القول عليه بالإباحة ، كالعسل فإن كثرته تضر بالمحرور ، وكآكل الطين ، وكان إطلاق التحريم على الخمر ، والتحليل على العسل ، التفات إلى أغلب الأحوال ، فإن تصدى لشيء تقابلت فيه الأحوال ، فالأولى أن نفصل فنرجع إلى علم الكلام ، ونقول : إن فيه منفعة ، وفيه مضرة ، فهو باعتبار منفعته ، في وقت الانتفاع حلال ، أو مندوب إليه ، أو واجب كما يقتضيه الحال ، وهو باعتبار مضرته ، في وقت الإضرار ، حرام . فأما مضرته فإثارة الشبهات ، وتحريك العقائد ، وإزالتها عن الجزم والتصميم ، وذلك مما يحصل في حالة الابتداء ورجوعها بالدليل مشكوك فيه وتختلف فيه الأشخاص ، فهذا ضرره في الاعتقاد ، وله ضرر أيضا في تأكيد اعتقاد المبتدعة للبدعة ، وتثبيته في صدورهم ، بحيث تنبعث دعاويهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه ، ولكن هذا الضرر ، يحصل بواسطة التعصب ، الذي يثور من الجدل . وأما منفعته ، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ، ومعرفتها على ما هي عليه ، وهيهات هيهات ، بل منفعته شيء واحد وهو حراسة العقيدة على العوام ، وحفظها عن تشويشات المبتدعة ، بأنواع الجدل إذ العامي ضعيف ، يستفزه جدل المبتدع ، والناس متعبدون بصحة العقيدة ، التي أجمع السلف عليها ، والعلماء متعبدون بحفظ ذلك على العوام ، من تلبيسات المبتدعة ، وهو من فروض الكفاية ، كالقيام بحراسة الأموال وسائر الحقوق : كالقضاء والولاية وغيرهما ، وما لم تستعد العلماء لنشر ذلك ، والتدريس فيه ، والبحث عنه ، لا يدوم ولو ترك بالكلية ، لا ندرس . وليس في مجرد الطباع كفاية لحل شبه المبتدعة ، ما لم يتعلم فينبغي أن يكون التدريس فيه أيضا ، من فروض الكفاية ، لكن ليس من الصواب تدريسه على العوام ، كتدريس الفقه والتفسير ، فإن هذا مثل الدواء ، والفقه مثل الغذاء ، وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذور ، فإن قيل : قد جعل جماعة التوحيد عبارة عن صناعة الكلام ، ومعرفة طريق المجادلة ، والإحاطة بمناقضات الخصوم ، والقدرة على التشدق فيها ، بكثرة الأسئلة ، وإثارة الشبهات ، وتأليف الإلزامات ، حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد . فاعلم أن التوحيد ، عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر
24
نام کتاب : حياة الحيوان الكبرى نویسنده : كمال الدين دميري جلد : 1 صفحه : 24