فجعل الخلاق الحكيم - جل قدسه - هذا الهواء قرطاساً خفيفاً يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم ، ثم يمحى ، فيعود جديداً نقياً ، ويحمل ما حمل أبداً بلا انقطاع . وحسبك بهذا النسيم المسمى هواء عبرة ، وما فيه من المصالح ، فإنه حياة هذه الأبدان ، والممسك لها من داخل بما يستنشق منه ، ومن خارج بما تباشر من روحه ، وفيه تطرد هذه الأصوات ، فيؤدي بها من البعيد . وهو الحامل لهذه الأراييح ، ينقلها من موضع إلى موضع . ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح ؟ ! فكذلك الصوت ، وهو القابل لهذا الحر والبرد اللذين يعتقبان على العالم لصلاحه ، ومنه هذه الريح الهابة . فالريح تروح عن الأجسام ، وتزجي السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكثف فيمطر ، وتفضه حتى يستخف فيتفشى ، وتلقح الشجر ، وتسير السفن ، وترخي الأطعمة ، وتبرد الماء وتشب النار ، و تجفف الأشياء الندية . وبالجملة إنها تحيي كل ما في الأرض ، فلولا الريح لذرى النبات ، ومات الحيوان ، وحمت الأشياء وفسدت » [1] . وذلك كله يوضح لنا بعض السبب في امتنان الله تعالى على عيسى ومريم بإيوائهما إلى ربوة ، حيث قال تعالى : * ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً